شيرين قسوس تكتب: الامتناع عن التهنئة
نبأ الأردن -
في كل عام، ومع حلول أعياد الاخوة المسيحيين، تطفو على السطح تصرّفات ومواقف مؤسفة تصدر عن بعض الإخوة المسلمين، تتسم بالرفض أو السخرية أو التشدد في التعامل مع هذه المناسبات. هذه السلوكيات، وإن صدرت من فئة محدودة، إلا أنها تسيء إلى صورة الإسلام قبل أن تسيء إلى العلاقات الإنسانية والوطنية بين أبناء المجتمع الواحد.
إن من المؤسف أن يُختزل الدين في مواقف جافة تفتقر إلى الفهم العميق لمقاصده العليا، وعلى رأسها العدل، والرحمة، وحسن المعاملة. فالإسلام لم يأتِ ليعزل المسلمين عن محيطهم الإنساني، بل جاء ليؤسس لقيم التعايش، واحترام الآخر، والبرّ مع المخالف في العقيدة، ما دام مسالماً غير معتدٍ. وقد جسّد النبي محمد هذا المعنى في تعامله مع غير المسلمين، قولاً وفعلاً، دون غلظة أو استعلاء.
إن الامتناع عن التهنئة، أو مهاجمة من يختار أن يهنئ، أو نشر خطابات تحريم قاسية في فضاء عام يضم مسلمين وغير مسلمين، لا يخدم الدين ولا الدعوة، بل يعمّق الفجوة، ويغذي الكراهية، ويعطي انطباعاً بأن الإسلام دين إقصاء لا دين أخلاق. والأسوأ من ذلك أن هذه التصرفات تُقدَّم أحياناً على أنها غيرة على العقيدة، بينما هي في حقيقتها قصور في الفقه، وضعف في الحكمة.
الاختلاف الديني حقيقة كونية، والتعايش معها ليس تنازلاً عن الثوابت، بل تعبير عن نضج أخلاقي وفهم حضاري للدين. تهنئة المسيحي في عيده لا تعني الإقرار بعقيدته، كما أن احترام مشاعره لا ينتقص من إيمان المسلم، بل يعكس سموّ الأخلاق التي دعا إليها الإسلام.
نحن بحاجة إلى مراجعة صادقة لخطابنا وسلوكنا، وإلى التفريق بين ما هو عقدي خاص، وما هو إنساني مشترك. فالأوطان لا تُبنى بالتنافر، ولا تُصان بالتحريض، وإنما بالتعايش والاحترام المتبادل. وإذا أردنا أن نقدّم صورة حقيقية عن الإسلام، فعلينا أن نبدأ بأخلاقنا، لا بتشددنا، وبجسور التواصل لا بجدران القطيعة.
وفي الختام، فإن انتقاد هذه التصرفات لا يعني مهاجمة الدين، بل الدفاع عن جوهره النقي، الذي يدعو إلى الرحمة، والحكمة، وحسن الخلق، مع كل الناس، دون استثناء.
كل عام والوطن بألف خير !

























