م.صلاح طه عبيدات يكتب: إلى المدعو فالح حسون الدراجي: عندما يسقط القلم في وحل الشماتة
نبأ الأردن -
لم تكن خسارة منتخب الأردن في نهائي كروي هي الحدث المؤلم، بل المؤلم حقاً أن يخرج علينا كاتب عربي ليحتفل بالخسارة بفرحٍ ملوّث بالشماتة، ويقدّم نفسه ناطقاً باسم شعب كامل، وكأن العراق العظيم اختُزل في حقد كاتب فقد بوصلته الأخلاقية قبل أن يفقد حسه المهني.
ما كُتب لم يكن رأياً ولا تحليلاً ولا حتى انفعالاً عابراً، بل كان خطاب كراهية صريحاً، ومحاكمة جماعية رخيصة لشعب ودولة، بل وانزلاقاً فجّاً إلى مستوى لا يليق لا بصحافة ولا بعروبة ولا بتاريخ العراق الذي نعرفه ونحترمه. فمن نصبك وصياً على مشاعر العراقيين؟ ومن منحك حق التحدث باسم ملايين لم يفرحوا يوماً بسقوط غيرهم لأنهم ذاقوا من الانكسار ما يكفيهم عن الشماتة؟
الأخطر في النص لم يكن الهجوم على منتخب أو جمهور، بل الزج باسم الله في سوق الكراهية، والادعاء بأن الله "كره" بلداً فأفقره، وكأن الفقر لعنة، وكأن الغنى شهادة اصطفاء. هذا ليس جهلاً فقط، بل جرأة فكرية مريضة تحوّل الإيمان إلى أداة انتقام، وتكشف خواءً أخلاقياً لا يغطيه أي ادعاء ثقافي أو وطني.
السخرية من الأردن لأنه لا يملك نفطاً، والتهكم من اعتماده على الدعم، لا تكشف شيئاً عن الأردن بقدر ما تكشف عقلية ترى الكرامة في باطن الأرض لا في سلوك البشر. فالدول لا تُقاس بثرواتها الطبيعية بل بثباتها، ولا تُحترم بما تملك بل بما لا تفرّط به. والأردن، رغم قلة موارده، لم يساوم على كرامته، ولم يرفع سكين الطائفية في وجه ضيف، ولم يحوّل الفقر إلى مبرر للشماتة بالآخرين.
أما التعميم الفجّ على شعب كامل بسبب هتاف أو تصرف مدرج، فهو منطق العاجز الذي يعجز عن التفريق بين الخطأ والسلوك الجمعي، ويبحث عن أي ذريعة لتبرير حقد متراكم. نعم، أي هتاف مسيء مرفوض ومدان، لكن تحويله إلى صك إدانة لدولة بأكملها هو انحطاط فكري لا علاقة له بالرياضة ولا بالأخلاق.
والأكثر انكشافاً هو إقحام الفلسطينيين في سياق الكراهية، وكأن العداء يحتاج إلى توسيع دائرة الشتم، في حين أن الأردني والفلسطيني لم يكونا يوماً إلا في خندق واحد، ومن يحاول العبث بهذه الحقيقة إنما يفضح نواياه لا أكثر.
ثم يأتي الاستعلاء اللفظي على لقب "النشامى”، وكأن الفروسية تُمنح من قلم غارق في الضغينة. النشامة ليست لقباً تخلعه أو تنزعه حسب مزاجك، بل سلوك يُقاس عند الشدائد، والنشامة الحقيقية لا تسكن مقال شماتة ولا تتغذى على كره المهزوم.
العراق أكبر من هذا النص، وأعمق من هذه اللغة، وأشرف من أن يُمثَّل بكاتب يرى في خسارة مباراة فرصة لتصفية حسابات تاريخية ونفسية. والأردن، دولة وشعباً، أكبر من أن تهزه افتتاحية مسمومة، وأقوى من أن تُختزل في حقد عابر.
الخسارة الكروية تُنسى،
أما سقوط الكلمة حين تتحول إلى أداة كراهية،
فهو السقوط الذي لا يُغتفر،
ولا يُمحى… مهما كُتب بالحبر.
























