نشأت الحلبي يكتب : نتنياهو اختار إذن السيناريو "الآخر" .. وهذا الخطر الأكبر
منذ إعلان حركة المقاومة الإسلامية حماس عن عملية "طوفان الأقصى"، توقعتٌ، في مقالة حملت عنوان "ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعدها"، أن يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واحد من خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يذهب، وبشكل سريع، بعد تنفيذ ضربات "تنفيسية"، الى طاولة المفاوضات تحت ضغط وجود أسرى ورهائن لدى المقاومة، وهنا سيكون القرار بيد المقاومين فقط، وإما أن يذهب الى الخيار الأكثر "دموية"، وهو خيار القصف والتدمير والعمل على تغيير كل المعالم الجيوسياسية في المنطقة، وفي فلسطين المحتلة على وجه الخصوص، وفرض واقع جديد على الأرض بلغة القوة التي يمتلكها أكثر، حسب موازين القوى بينه وبين المقاومة بكل فصائلها، في قطاع غزة.
وبعد مرور نحو أسبوع على العملية، وضح بشكل جلي بأن نتنياهو لا ينوي تنفيذ ضربات "تنفيس" فقط، بل وأسقط من حساباته الأسرى والرهائن ودليل ذلك أن بعضهم قُتِلَ في قصف طائرات الاحتلال، فالرجل "المأزوم" يريد أن يُصَفّي القطاع عن بكرة أبيه، وزاد من وحشيته التي لم تكن متوقعة خاصة وأنه ضمن غطاءً دوليا، وخاصة أمريكياً، للهجوم الوحشي على غزة وأهلها، فلم يسلم منه مُسعفٌ ولا مستشفى، ولا امرأة ولا طفل.
السيناريو الأكثر خطورة الذي لا قراءة لسواه الآن، هو أن سلطة الاحتلال قد قررت، على ما يبدو، إخلاء القطاع من ساكنيه، وليس فقط مقاوميه، بل "الكل" من خلال تهجيرهم قسرياً الى منطقة سيناء المصرية، وبعد ذلك تنفيذ اجتياح بري للقطاع، لكن بعد ضمان أن لا يقع أي جندي في الأسر أو في مرمى سلاح المقاومة.
بالمقابل، فإن قناعة الإدارة الأميركية التي عبر عنها الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكين، بأن هذا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها خصوصا وأن الآلة الإعلامية والسياسية الإسرائيلية أقنعت مؤسسات صنع القرار الأميركي، بل والدولي برمته، بأنها كانت ضحية "عملية إرهابية"، وكَبّرت" بعض المشاهد وصورتها على أنها إرهاب داعشي ولس أصحاب أرضِ يدافعون عن حقهم، وعليه، فقد قررت واشنطن إرسال واحدة من أكبر بوارجها الحربية إلى المنطقة للجم أية محاولة من أي طرف للتدخل في الحرب خصوصا حزب الله اللبناني، وإيران، وهذا ولا شك يمثل غطاءً عسكرياً لنتنياهو للإمعان أكثر وأكثر في الدماء الفلسطينية، وفي الذهاب بعيداً في عزل كل الغزيين خارج فلسطين، وليس خارج القطاع فحسب.
وإلى داخل الضفة الغربية، فإن الأخبار تشي بأن سلطات الاحتلال قد أعدت العدة للإجهاز على الفلسطينيين فيها، فليس من الطبيعي أن ترحل كل، أو معظم، الهيئات الدبلوماسية من الضفة الغربية، وفي هذا ما يشي بأن مجازر أخرى قد تُرتكب في مدن وقرى ومخيمات فلسطين، والتي من المفروض أنها تحت حكم سلطة رام الله.
إذن نحن، لربما، أمام حرب طويلة الأمد، وأمام لحظة تاريخية هي الأصعب في تاريخ القضية الفلسطينية، فالنصر التاريخي الذي حققته المقاومة في عملية خاطفة، بات يكبر كما كرة الثلج ليتحول الى حرب، لن نقول من الآن أنها إقليمية، بل واسعة أكثر من ذي قبل في تاريخ النضال الفلسطيني، وأما في حسابات الإقليم، فإن دول الجوار العربي، وما يسمى كذلك بدول الطوق، ليست في ذات الحال، فالعراق ليس العراق، ولا سوريا هي سوريا، ولا حتى مصر هي مصر بعد ما مرت به من مخاضات سياسية وعسكرية خصوصاً في سيناء، وعلى أصداء ما عُرِفَ بالربيع العربي، وعليه، فإنه ليست فلسطين وحدها، في منعرج تاريخي، بل كل المنقطة العربية، وهنا لربما نستذكر كلام وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس عندما تحدثت عن شرق أوسط جديد، فصفقة القرن مثلا التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لم تذهب الى تحقيق هذا الشرق أوسط، لكن حرب نتنياهو الآن ربما تذهب إليه، وهذا لا يعني أن المقاومة وقوتها وصمودها قد سقطت من الحسابات، مطلقاً، لكن سكوت العالم على كل تلك الجرائم، وعلى محاصرة القطاع تحت وقع عدوان طيران الاحتلال بتلك الطريقة الوحشية، لا يقول إلا هذا، إلا إذا كان للأمة العربية كلمة أخرى، ومفاجئة!