نشأت الحلبي يكتب : ما قبل معركة "طوفان الأقصى" ليس كما بعدها
هي عملية مفاجئة بكل المقاييس، بل أن نوعية العملية يؤكد بأنها أكبر من مجرد عملية ضيقة، أو هجمات محدودة، إنها معركة بكل ما تعني الكلمة من معنى، فهناك قتلى وجرحى بالعشرات في صفوف القوات الإسرائيلية، وهناك أسرى ورهائن بالعشرات أيضا، والعداد ما زال "يلف".
إذن هذا الحال غَيَّر، وبلا رجعة، كل الخارطة الجيوسياسية في تاريخ القضية الفلسطينية، وفرض واقعاً جديداً في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي، ولا أقول الفلسطيني – الاسرائيلي.
حكومة دولة الاحتلال في مأزق "ضيق" جداً الآن، فالمناورة العسكرية لإنهاء الأزمة كما جرت العادة، أصبحت محدودة جداً، إن لم نقل مستحيلة، ذلك أن أعداد الأسرى والرهائن يُضيّق عليها الخناق في الشارع الإسرائيلي، ففيما مضى، عانت الأمرّين بوجود جندي واحد رهينة وهو "جلعاد شاليط"، وفكفكت الأزمة وقتها بصفقة تاريخية طالت تخليص أسرى حتى من جنود حزب الله اللبناني، فما بالها اليوم وهذا العدد الكبير من الأسرى والرهائن ..فما هي العملية السياسية التي يمكن أن تتمخض عن هذا المشهد، وما حجم الخسارة التي يمكن أن تتكبدها سياسياً ومعنويا وحتى عسكرياً، ومن الذي يمكن أن يمد لها يده في هذا المأزق الكبير؟!
وفي شكل العملية، فإن قراءة سريعة لها يخلص الى عدد من النتائج، أولها أن العملية جرت بشكل مباغت وعلى حين غًرة بعيداً عن أعين وآذان كل أجهزة الاستخبارات العالمية، وهذا يؤكد بأن المقاومة الفلسطينية، تمكنت وبشكل تام، من تحييد كل العملاء الذين كانوا يتعاملون مع جهاز الاستخبارات الاسرائيلي، بل وحتى مع مخابرات السلطة الوطنية في رام الله والتي تحكمها معاهدات أمنية مع الموساد الاسرائيلي، وهذا يؤكد بأن استراتيجية المقاومة في مطاردة وإنهاء العملاء في غزة، قد نجحت بشكل محترف أيضاً.
وعلى الأرض، فإن الوصول الى تمركزات الجنود الإسرائيليين في غلاف قطاع غزة وأسر أعداد كبيرة منهم، وقتل أعداد أخرى، والانقضاض على المستوطنات ودخول المنازل وأخذ رهائن، يؤكد بأن العملية كانت مدروسة بدقة متناهية من حيث تحديد الأهداف.
معركة طوفان الأقصى أعادت القضية الفلسطينية الى الحياة مجدداً، ولربما ستفرضها على المنابر العالمية والأممية، ولكن بشكل مختلف، بشكل بات فيه الفلسطيني هو صاحب المبادرة والقرار، والرأي الأخير، لأن المعادلة اختلفت والتاريخ قد تمت كتابه مجدداً اعتباراً من السابع من أكتوبر 2023، فنظرة سريعة الى المشهد تقول إن التفاوض الآن سيكون عبر غزة فقط، وإن الحل النهائي للقضية الفلسطينية، إن شاءت المقاومة، سيكون عبرها ومن خلالها أيضاً، وإن القبول بكل القرارات الأممية السابقة سواء تلك الخاصة بأراضي الضفة الغربية المحتلة في العام 1967، أو الخاصة بالقدس أو غيرها، سيكون هذه المرة منوط بالمقاومة الفلسطينية أيضا، والتي تمكنت، وبفرض القوة، أن تكون سيدة الموقف وأن تسحب البساط كاملاً من تحت أقدام سلطة رام الله.
هذا ليس ضرب من الخيال، وليس هو تفاؤلٌ في غير محله، بل هو قراءة منطقية للوضع الجيوسياسي الجديد على الأرض الفلسطينية، والذي فرض تَغيُّراً في مشهد الإقليم بشكل كبير، وغيّر الواقع، فليس أمام دولة الاحتلال إلا أن تدخل في معركة شاملة وأكبر مع المقاومة في غزة وبكل الأسلحة المحرمة منها دولياً وغير المحرمة، وأن تضع كل الحسابات التي نتجت عن عميلة طوفان الأقصى، على "جنب"، وهذا ما لا تستطيع أبداً الخوض فيه لأن مغامرتها حين إذن تعني حرباً شاملة في المنطقة.