خارطة العرب الجديدة .. وبوابة سوريا
نشأت الحلبي -
لا أعلم حقاً إن كان ذلك خطأ، أم خطيئة، أن يبتعد العرب كل ذلك البُعد عن سوريا، فثمة كثير من الجفاء فرض نفسه على الواقع العربي منذ اتخاذ قرار بترك دمشق وحدها وسط كل تلك النيران، في حين كانت الخطيئة الكبرى مراهنة كثيرين على سقوط النظام السوري عبر فوهات البنادق، ولربما عبر "النيران الصديقة"!
منذ اندلاع ما عُرِف بالربيع العربي في العام 2011، تأججت مشاعر الشعوب العربية لا سيما تلك التي طالما حلمت بالحرية، ولعلها كانت حرية "الحياة الكريمة" أكثر مما كانت "حرية الكلمة"، لكن القناعة كانت بأن الإصلاح السياسي دائما ما يكون "أبو الإصلاحات" جميعاً، ومن هنا صدحت الحناجر في الشوارع والحارات والأزقة في بلدان العرب، لكن آخر الحسابات كانت بأن يعلو صوت الرصاص على أصوات الناس.
في تونس ومصر، كانت الأمور أكثر انضباطاً، ولم تسِل الدماء بذلك الكم، بل لربما ما سقط من شهداء كان في حدود المعقول وما يتماهى مع ما شهده التاريخ من ثورات على الجوع، وكان العلاج السياسي سيد الموقف، وتدرج الحل إلى أن وصلت الأمور الى ما هي عليه الآن، فلم يُترك العنان للمدافع والطائرات، ونجحت القاهرة وتونس في صون دماء الناس ما استطاعوا.
في سوريا، كانت المفاجأة الكبرى، فلم يتوقع أحد نهائياً بأن تجري أنهر الدماء كما جرت، ولم يتوقع كائن من كان أن يرى الشعب السوري في خيم اللجوء وفي شتات العواصم العربية والعالمية، لكن القراءة المتأنية للأحداث تصل الى نتيجة أن هناك من استغل ثورة الناس من أجل الحق ليأخذ سوريا إلى كل هذا الدم.
اختلطت المصالح بدماء الناس، واختلطت أوراق الاقتصاد، من غاز ونفط وسواحل وموانئ وغيرها، بأوراق السياسة، واستُغِلّ "الدين" أيما استغلال، فظهرت عصابات التطرف والإرهاب متحالفة مع مثيلاتها في الجارة العراق، الذي لم يهدأ أساساً حتى نقول إن ما جرى فيه يأتي في سياق ذاك "الربيع" الذي حرقوا عشبه قبل أن يجف في خريفه، ولأن ليس هذا الآن مقام جردة الحساب، لكن الأمور لربما تكون الآن بنهاياتها، والنهاية تقول إن الحراك العربي نحو سوريا يجري الآن على قدم وساق، ولعل اجتماع عمان التشاوري لوزراء خارجية عرب، والذي ضم الى جانب الأردن كل من السعودية والعراق ومصر إضافة لوزير الخارجية السوري، وهو الاجتماع الذي أتى استكمالاً لاجتماع جدة الذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك الأردن ومصر والعراق وسوريا، لا يُقرأ، أي الاجتماع، إلا في سياق الخطوات العربية الواسعة تجاه دمشق لإعادتها الى الحضن العربي، أو لربما كما قال أحدهم، عودة العرب الى سوريا بعد أن تكشّفت كل خيوط اللعبة، وفي الوقت الذي تتغير فيه كل المعادلات الدولية تجاه دمشق من أميركا وأوروبا وصولاً الى الجارة تركيا التي كانت أيضاً تخطو عبر بوابة موسكو، خطوات كبيرة تجاه سوريا.
إذن نحن الآن على مشارف تركيبة عربية جديدة بكل ما تعني الكلمة من معنى، بل أن هذه التركيبة لربما تطال شكل، وعمق، التحالفات العربية الدولية، فثمة قراءة هامة للتقارب الصيني السعودي، والذي لربما ينسحب على كل دول الخليج العربي، الغنية، لما تثمله الرياض من ثقل سياسي وقيادي في الخليج، وإذا ما كانت الاستدارة العربية غير ممكنة بشكل كامل تجاه الشرق، لكنها إشارات، ومؤشرات، يراقبها الغرب بكل تمعن، هذا الوقت الذي لا نريد أن نغرق فيه بالتفاؤل، أو الابتعاد كثيراً في توقعات ما يجري لنخلص لتوقع ما هو شبه عزلة "عربية - غربية"، فهذا لربما يكون من "الشطط" بمكان، لكن، وبكل الأحوال، فإن وِجهة العرب وخارطة التحالفات، باتت أكثر مرونة من ذي قبل وتحررت من الوِجهة الغربية نوعاً ما، وثبت بأن "بوابة دمشق" كانت الأكثر ملاءمة من أجل هذا التغيير.