"لقاء المِصعد" مع الباشا عبدالهادي المجالي
نشأت الحلبي -
رن هاتفي في الصباح الباكر من أحد أيام الغربة في قطر..
نظرت الى الهاتف "متثاقلاً"، وكان الرقم "خاص" ..
قدّرتُ أنه من عمان، لربما ..
أجبت، فكان الصوت على الطرف الآخر يقول لي : صباح الخير أستاذ نشأت .. رديت : صباح النور..
قال : نحن منزل دولة الرئيس فيصل الفايز، ودولته متواجد الآن في الفندق ويود رؤيتك قبل السفر الى عمان.
قلت : على طول ..
نهضت من فراشي، وارتديت ملابسي على عجل، وتوجهت الى الفندق.
كان الصديق، والأخ الكريم فيصل الفايز حينها رئيساً لمجلس النواب الأردني، وجاء الى الدوحة في زيارة رسمية، وبحكم العلاقة القديمة التي تربطني بدولة أبو غيث، الأخ الكريم والكبير، فلم ينقطع التواصل بيننا على طول سني غربتي العشرة التي قضيتها بعيداً عن الأردن، وكلما كنت أعود فيها الى عمان خلال الإجازة السنوية كنت ألتقي دولته في منزله الكريم، وكانت تلك محطة سنوية لا بد منها، هذا فضلاً عن التواصل عبر الهاتف.
جلست مع دولة أبو غيث في الفندق، وتبادلنا الحديث كما العادة..
بعد فترة وجيزة، حرجنا من غرفة دولته مع بعض الحضور من نواب مرافقين لدولته خلال الزيارة، وتوقفنا أمام المصعد الكهربائي.
قال دولته : لننتظر الباشا، فهو قادم.
نظرت الى الجهة التي كان ينظر إليها دولة فيصل الفايز، فكان القادم هو الباشا، رحمة الله عليه، معالي عبدالهادي المجالي.
انتظرنا معاليه، صبّح علينا، ودخلنا جميعاً المصعد.
نظر إلي معاليه بصمت.
في تلك اللحظة قلت في نفسي لربما تذكرني معالي أبو سهل.
حينما كان معاليه رئيساً لمجلس النواب، كتبت "مانشيت" في صحيفة الاتجاه التي كنتُ رئيس تحريرها عن "صفقة" تدور في كواليس البرلمان لترتيب أمور المكتب الدائم الذي كانت انتخاباته على الأبواب، وتحديداً "الرئيس"، وكان الاخوان المسلمين جزءاً منها، خصوصاً وأنه كانوا حينها ثقلاً في المجلس.
أحدهم قال لي بأن المادة الصحفية ربما لن تعجب كثيرين وربما منهم "الباشا"، فقلت لمن حدثني بذلك بأن قراءته لـ"ذهن" الباشا خطأ، فهو رجل سياسة ودبلوماسية من الطراز الرفيع، وما ذهبت اليه في التقرير الصحفي يؤكد "عمق" قراءة الباشا لما يجري وما يدور في كواليس السياسة خصوصا البرلمانية منها، وعليه، فإنه يتصرف سياسياً بعمق رؤيته السياسية.
كان الباشا "مُعلماً" بكل ما تعني الكلمة من معنى في "حَبْك" اللعبة السياسية، بمهارة وحنكة .. كيف لا وهو من تقلد أهم المناصب، ولعل أهمها على الصعيد الدبلوماسي توليه منصب "السفير الأردني" في واشنطن، وهو المكان الذي يتطلب رجلاً قادراً على النظر بعمق، والتصرف بعمق، ومسؤولية.
قلت في نفسي بالمصعد، هذا رجل قامة وقيمة، ومدرسة سياسية، لكن من يقرأ، ومن يُحلل، ومن يعرف.
وصل المصعد فينا الى وجهته النهائية، وخرج دولة أبو غيث والنواب والباشا، وودعتهم وهم يهمون بالصعود الى السيارات للتوجه الى المطار.
غادروا، وتملكني الندم بأن لم أُعرّف الباشا على نفسي، ولأقول له : أنا من كنت أقرؤُك صح يا باشا، وأقرأ ما تفكر فيه بعمق.
كنت أحاول أن أكون قريباً من الباشا خصوصا وأنا في بداياتي الصحفية ومنذ أن كان الأبرز سياسياً لا سيما وهو يحاول ترتيب أوراق الأحزاب ومنها محطة حزب العهد التي كانت علامة فارقة، وكان فيها التقاطة ذكية لفكرة الأحزاب قليلة العدد، والكبيرة التأثير، وتلك قصة أخرى لربما تحتاج الى مساحات أوسع للتحدث عنها، وفيها.
رحم الله الباشا عبدالهادي المجالي، وإنا لله وإنا إليه راجعون