اللويبدة .. مِن بين الأنقاض والدموع !
نشأت الحلبي
هالني ذاك المشهد، فتلك عمارة بكاملها قد انهارت على رؤوس ساكنيها، ولا أقول أصحابها ..!
أما لماذا هم ليسوا أصحابها، فلأن كثيرون من أبناء الشعب لا يستطيعون امتلاك منزل "العمر"، فليس كل أردني قادر على أن يدفع قسطاً بمئات الدنانير شهرياً حتى يُؤمّن لعائلته منزل "الحلم" ..!
مذوهولاً وقفت أمام المنزل المنهار، فهذه لربما المرة الأولى التي أرى فيها هذا المشهد في حياتي، إلا في الأفلاام، وهو حال الشعب الأردني كله ..
من تحت الأنقاض كانت تخرج أنّات من كُتب لهم العيش حتى اللحظة التي تسبق الوصول الى المستشفى لمعرفة إن كان الجسد ما زال فيه من "النَّفَس" ما يُمكنّه من الحفاظ على الروح ..
مَنْ هم تحت الأنقاض لا يختلفون عن من فوقها، فهنا ابن أو ابنة .. قريب أو قريبة، يذرفون الدموع وهم لا يعرفون بعد مصير من تحت ذلك الركام من "أحبّة" ..!
فجأة خرجتْ سيدة لتقول : هذا هو الإجرام بعينه ..!
من هو المجرم يا تُرى ؟!
أشّرت السيدة على عمارة أقيمت حديثاً، وقالت : قلنا وصرخنا ألف مرة بأن لا تسمحوا بإقامة العمارات الحديثة في اللويبدة حتى لا تؤثر على البنايات القديمة التي تميز اللويبدة، فبناء تلك العمارات يؤثر على بنايات اللويبدة القديمة، كما أن طريقة بنائها من حفّارات كبيرة وحفر الأرض، "خلخل" منازل اللويبدة وجعلها آيلة للسقوط ..
ذات الكلام قاله لي قريب بعض المصابين وهو ينتظر أن يعرف مصير أقاربه.
أخبرني بأن السبب وراء "الكارثة" هو هذه البنابات "الحديثة" والشاهقة !!
على مقربة مني كانت هناك فتاتان تبكيان، وترتجفان، فأين هي .. تصيح إحداهن، ولم نعلم عن من تسأل، عن أم أو أخت أو عّة .. فيما الأخرى تسال عن شقيق أو "خال" أو عم، لا أعلم، لكنها تسأل عن "عزيز"!
أمام مستشفى "لوزميلا" القريب، والقديم قِدَم اللويبدة، كانت هناك أيضاً حكايات لا تقل ألماً، فإلى هنا نقلوا مصابين، أو أموات، لا أحد في الخارج يعلم، لكنه يعلم أن الخبر اليقين سيأتي من هنا ..
حضر رئيس الوزراء، وزير الداخلية، وزير الصحة، وزير الأشغال، وأمين عمان، ولا أحد يلتفت من الناس سوى الى الحجارة في محاولة لسماع صوت "نَفَس"، أو رؤية بياض عين ما زالت ترى بعض النور!
بعض من هو أكثر "تركيزاً" كان يرقب أي خبر ممكن أن يخرج من "الرابع"، لكن آخرين كانوا يردون عليهم : وهل نسيتم العقبة؟!
إذن : إنسوا أن تسمعوا ذاك الخبر ..!
خبر الإصابة كان الأكثر "أملاً" في الوقت الذي يكون فيه ترقب خبر الموت، هو الأكثر توقعاً ..!
كم لويبدة في الأردن؟! … سأل أحدهم ..!
إحسب كم فقيراً في الوطن حتى تعرف .. رد آخر ..!
غادرنا المكان بعد منتصف الليل، فيما صوت "الكمبريسرات" يغطي المكان، وعيونِ دامعة كثيرة تتطلع الى المكان ببعض الأمل، لكن السؤال "المذهل" الذي كان على اللسان : هل حقاً أن عمارة سكنية سقطت على رؤوس ساكنيها في الأردن؟!