التهديد والعقاب للبعض "المُخالف" وليس للكل "المُلتزم"
نشأت الحلبي -
في البداية، لا بد أن نُسلّم أننا كلنا شركاء في معركة الوطن مع فيروس كورونا، هذا الوباء الذي طالنا منه ما طالنا من "نفسِّةٍ" تعبت، ومن أوضاع اقتصادية مزرية بعد أن انهارت الكثير من الاستثمارات، فيما كثيرة أخرى تنازع ولا يرى أصحابها أي أملِ في المستقبل الذي بات باهتاً بكل ما تعني الكلمة من معنى، هذا في الوقت الذي انعدمت فيه الحلول الحكومية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سواء من قبل الحكومة السابقة التي باغتها الوباء، أو في عهد الحكومة الحالية التي لم نرَ منها أية حلول حتى اللحظة، يمكن أن تكون مقدمة لمخططات استراتيجية تنقذ الكثيرين من الغوص أكثر في "الخسائر".
مؤخراً، تدخل الملك وطلب وضع الخطط الناجعة لعودة المدارس، هذا القطاع الذي دفع ثمن جائحته الطلبة والأهالي أولا، ووضع الخطط كذلك لإعادة فتح القطاعات بما يحافظ على صحة المواطن وعلى الاقتصاد الوطني.
انتظرنا تنفيذ الحكومة للتوجه الملكي، وكانت الخطط التي أعلنت عنها الحكومة في "احتفالية" من طرف واحد، وأما لماذا من طرف واحدة، فلأن الغائب الوحيد عن الاحتفالية كان المواطن، فغير رفع حظر الجمعة الشامل، لم يكن هناك من جرأةِ في صياغة خطط فتح القطاعات، بل تأجيل أشعر أنه كان ناجماً عن كثيرِ من الحذر والتردد، وهي ذات الأجواء التي سادت أساساً قبل الإعلان عن الخطط، فكثير من القطاعات ما زالت مغلقة وتعاني الأمرّين.
مع ذلك، قلنا أن الحكومة معها الحق في عدم "المغامرة"، وآمنا بأنها تريثت في الإقدام على فتح كل شيئ، وعملت على شراء بعض الوقت الى أن يتحسن الوضع الوبائي بشكل أكبر، والى ان يسير برنامج التطعيم الوطني على وجه أفضل ليصل الى أكبر عددِ من الناس، فعندها ستكون درجة الإطمئنان أكثر وتكون القرارات اللاحقة "المتوقعة" بفتح مزيد من القطاعات أكثر جرأة مقرونة بالمطأنينة.
في المؤتمر الأخير للحكومة، وبعد أول جمعةٍ بلا حظر، توقعنا أن تقول الحكومة شيئاً مختلفاً، بل توقعنا أن تزف لنا بعضاً من البشائر خصوصاً وأن برنامج التطعيم يسير على أفضل وجه، وكانت هناك ثقة من الناس باللقاح رغم كل محاولات التشكيك بالمطعوم، فالناس، وأنا شخصياً منهم، مؤمنٌ بأن لا مخرج لنا من هذه الجائحة إلا بالحصول على اللقاح، ولذلك سجلت، كما كثيرين من الناس عبر المنصة الحكومية المخصصة لذلك، لكن الحكومة، ومع كل أسف، خالفت كل التوقعات وخرجت علينا بلغة تحمل الكثير من التهديد بالعودة الى المربع الأول، وبالعودة الى الإغلاقات، أما السبب، فإنه عدم الالتزام من الناس بالكمامة وبالتباعد الجسدي، وإقبال كثيرين على التجمع، لا سيما في الأسواق، واعتمدت الحكومة على كثيرٍ من المشاهد التي تم تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الصورة الشهيرة التي قيل إنها لسوق الحمام في وسط البلد.
لا نختلف مع الحكومة أبداً في التحذير، لكن التهديد والتحذير القاسي يجب أن يوجه لمن خالف، وليس لكل الشعب، فما ذنبنا، ونحن كثيرون في البلد، ممن التزمنا أن نؤخذ يجريرة من لم يلتزم؟!
وما ذنب أصحاب الاستثمارات، من نوادٍ رياضيةٍ صحيةٍ ومقاهٍ وغيرها من المشاريع، أن تطير أحلامهم أدراج الرياح حين يسمعوا كلام الحكومة "القاسي" ليتوقعوا في أية لحظة أن تتحطم آمالهم بالعودة الى "الحياة" و"الترزّق" بعد أن صبروا وصابروا وهم يرون مشاريعهم وأموالهم وأحلامهم تتجمد؟!
أتفق تماماً مع ما قاله وزير الداخلية سمير مبيضين عندما أكد على أن "البعض" من خالف وليس الكل، وتأكيده بأن المواطن المخالف هو من سيتحمل مسؤوليته ومسؤولية تصرفاته، وتأكيده على المحافظين ومدراء الشرطة بتطبيق أوامر الدفاع بأعلى درجات الحزم وخاصة التجمعات من حيث الالتزام بارتداء الكمامة والتباعد الجسدي والتجمع بالأعداد المسموح بها، فهذا هو الصحيح، وهذا ما نريد، وأما ما لا نريده أن تتعرض سلامة الشعب للخطر، سواء الصحية منها أو الاقتصادية، فعلى المستهتر فقط أن يدفع الثمن وليس كل الناس، وكل الاقتصاد، وهو ما كان قد أكد عليه أيضاً الملك عبدالله الثاني في توجيهه الأخير للحكومة.
وبناء على ما سبق، فلا يحق للحكومة أن تأخذ الكل المُلتزم بجريرة البعض المُخالف، فمن يخالف هو فقط من يستحق التهديد والمخالفة وأن يدفع الثمن، وبالقانون، وأما المُلتزم فلا يستحق سواء الثناء، والتكريم.