نضال البطاينة يكتب : الهوية الوطنية بين الأيديولوجيا والتطبيق.

{title}
نبأ الأردن -
 

في الوقت الذي نحتاج فيه إلى كل ما من شأنه تمتين جبهتنا الداخلية ورص الصفوف وإلتفافها حول ثوابتنا الوطنية  لمجابهة المخاطر  الإقليمية والعالمية والمتربصين ببلدنا، تظهر ممارسات  البعض بحيث يروق له إستخدام نغمات إقصاء الآخر والنشوة بإحساس مواطنة الدرجة الأولى،  كما تظهر ممارسات فئة أخرى وكأنها  بهذا البلد (ترانزيت)  وكل المصالح عندها تأتي قبل المصلحة الوطنية العليا، وتشعرك هذه الفئة بل تصرح في بعض الأحيان بأنها (مفضلة على البلد) والعياذ بالله فهذا الوطن له فضل على الجميع . 

نعم هذا هو الواقع ونراه جليا كل يوم على وسائل التواصل الإجتماعي على شكل فيديوهات ومنشورات وتعليقات متناحرة، ولا  يصح أن ننكر هذا الواقع الخطير وأن نضع رأسنا في الرمال حياله بل علينا الإعتراف به ومواجهته وعلاجه جراحيا ومن ثم بالجرعات الكيميائية الوقائية. 

إن هذه  الممارسات الدخيلة أصبحت وسيلة تسلية وتفريغ طاقة  لدى البعض سواء عن  جهل أو خبث  والنتيجة سواء وهي  النيل من جبهتنا الداخلية. 

نعم يوجد من يحاول  تقزيم صورة هذا البلد الكبير إلى جغرافيا تحتضنه اليوم ولكن لا ولاء له إلّا لمن يقدّم له مزايا وأعطيات، ويُرهن الإنتماء  لديه لمن يدعمه ويموله، كما يوجد من يخاطب الغير وكأنه  يملك الجغرافيا الأردنية والباقي مستأجرين لديه. 

لقد عاش آبائنا وأجدادنا في هذا البلد على المقسوم، وتداولنا أيامنا عليه صعابا وكروب، وكنّا شركاء للهم فيه قبل الفرح، وهذا ما يحتّم علينا كأردنيين -لا فرق بيننا إلّا بالمواطنة الصالحة-، أن نقف أمام هذه المحاولات التي تؤثّر سلباً على نسيجنا الوطني، فهذا البلد له شأن ونملك تاريخاً يشرّف كل من يحمل الهوية الوطنية، فهل نحن اليوم أقل هشاشة بأن تهزّنا قصة سيدة تتحدث عن البندورة؟!! لم أسمع في حياتي بأن أمريكي من أصول إسبانية تحدث عن منتج دخل أمريكا في عام محدد واصبحت روايته شأن عام أقام الدنيا وأقعدها! لا أدري، هل تلك السيدة أثّرت على هويتنا الوطنية إذا قالت أن البندورة لم تكن معروفة لدينا منذ الأزل  ؟ ، أم كانت البندورة على العلم الأردني ومحوناها عنه؟لماذا إفترضنا بها سوء النية وأخرجناها من الملة. وذلك الرجل، هل كفر عندما قال أن كل الأندية الأردنية هي أندية وطن ولا يجوز أن نخص نادي معين بهذا  المسمى المقدس ؟ نعم هو محق فكل الأندية الأردنية أندية وطن وإذا أردنا أن نخص فريق واحد بهذا المسمى فهو المنتخب الوطني بالتأكيد . 

هذه القصص يجب أن تفتح أعيننا جميعاً، على أن التمسك بهويتنا والاعتزاز بها يحتاج  لصلابة ورقي أكثر من الهزات التي قد نتعرّض لها نتيجة الواقع الجيو-سياسي في المنطقة، وبأن هناك عمليات جراحية دقيقة نحتاجها  بهذا الشأن ، للعودة لزمن كان تمسكنا بهويتنا ودولتنا أقوى وأقوى، أنا هنا لا أتحدث عن دقة معلومة السيدة من عدمها بخصوص البندورة ، إنما أتحدّث عن ما هو أعمق من ذلك، فهذا هو عارض لمرض وجرح غائر هناك في ثنائية الإنتماء للأرض والهوية كأيديولوجيا تجمعنا جميعاً، بعيداً عن الاستقطابات المتعددة والولاءات المتعددة، فهذه الأرض لا تحتمل إلّا هوية وطنية واحدة، هي الهوية الوطنية الأردنية، ونحن في الأردن لا نملك ترف الوقت لأن ندخل في مهاترات وسجالات يكون الخاسر فيها منّا، لأننا في واقع جيو سياسي ملتهب يجب أن نلتفت له ويجب أن نترفّع عن كل ما دون ذلك لأن همنا واحد وهو الأردن.

هذا الأمر يحتاج حلول وتدخلات عاجلة على الصعيد الإجتماعي و التشريعي، والعودة لإستخدام عصا سيادة القانون أمام كل من تسوّل له نفسه العبث بالنسيج الإجتماعي للأردن، سواء أكانوا أفراداً أو جماعات، وبإعتقادي بأن الحل يحتاج أولاً لأيدي ثابتة تراعي مصلحة الدولة الأردنية، وليس أيدي مرتجفه وتعاني من -فوبيا اتخاذ القرار-، بما في ذلك الجرأة على الحديث وعدم ترك الباب على الغارب أمام هذا الكمّ من الطعن بالهوية وصورة الدولة بشكل عام، ولعلّ من هذه الحلول طرح مشروع لقانون يجرم ويغلظ العقوبة على خطاب الكراهية صراحة أو تلميح، ذلك  الخطاب الذي  يتحدّث عن الأصول أو الدين أو الجنس بأي شكل من السلبية والهمز واللمز دام كلنا أردنيين، قانون يشدد العقوبة على من يقسّم الأردن على أهواءه بما يساعده على تنفيذ أجندته أو أجندة من يموّله، سواء أكان ذلك صراحة أو تلميحاً. مثل هذا القانون تم تشريعه في بعض الدول منذ سنوات، ومنذ ذلك الوقت تلاشت مثل تلك الممارسات وأصبح الحديث بها خط أحمر. هل من ينكر علينا الترحم على شيرين أبو عاقلة (رحمها الله) بسبب دينها عاقل وراشد ؟ 

الحديث عن الهوية الوطنية أصبح إجبارياً ولا مجال للتغاضي وترك الجرح ملتهب، حتى لا نصل لمرحلة -لا سمح الله- يكون فيها الخرق قد اتسع على الراقع، وبناءا على ما سبق، أعتقد بأننا لسنا فقط بحاجة إصلاح سياسي واقتصادي وإداري، إنما أيضاً نحتاج لمنظومة أصلاح إجتماعي وتحول ثقافي في تناول مثل هذه المواضيع ، وكل ذلك يجب أن يراعي  
 الهوية الوطنية ويضع  محددات قوتها وعوامل إضعافها، وتكون هناك دراسة جدّية حول ذلك،  وعلى الدولة أن تتدخل بينياً في ذلك، بأن تكون الضامن على إخراج هذا المشروع بطريقة تليق بالأردن وتاريخه المشرّف، العنوان  الأول للمشروع "لا للإقصاء" وإعادة ترتيب البيت الداخلي الأردني، مشروع تكون فيه عمان العاصمة أهم من باقي العواصم، والإنتماء لها أهم من كل الإنتماءات والهويات الفرعية الضيّقة، ومع الاحتفاظ بحق كل أردني منّا بالفخر والاعتزاز بأصوله، نعم أنا كإبن عشيرة البطاينة مثلا أعتز بأصولي الشمرية ولكن هذا شيء ، وأن  الأردن عندي هو أولا وعمان أهم العواصم والمصلحة الأردنية العليا أهم من أي مصلحة لأي طرف آخر  مهما كانت قريبة لقلبي هو شيء آخر . 

إن سيد الخلق يقول لا فرق بين عربي وأعجمي إلّا بالتقوى، وإذا أسقطنا هذا الحديث الشريف على واقعنا يجب أن يكون شعارنا" لا فرق بين أردني وغيره إلّا بالمواطنة الصالحة ومقدار ما قدمه ويقدمه  لهذا البلد "، المزارع والمعلم والطالب والوزير والنائب والطبيب والسائق كل في  مكانه وموقعه . 

حمى الله الأردن شعبا وأرضا وقيادة، وسياجنا قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية.

Elbatayneh.nedal@gmail.com
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير