د. ماجد الخواجا يكتب: بكائيات على جدران الوطن .. وثرثرة لا طائل منها مع الروابدة
نبأ الأردن -
أرجو من البداية توضيح أن هذه الثرثرة جاءت على خلفية ما ظهر عبر أحد اللقاءات لدولة الروابدة حيث تحدث عن أن رؤساء الوزارات في الأردن هم أبناء حراثين باستثناء رئيسين منهم فقط، وأن حق الأبناء في المناصب والتعيينات مثلهم كمثل أي مواطن آخر والمبدأ الذي افترضه الروابدة هو ” الكفاءة والأحقية ” وأن من الظلم حرمان الأبناء في تولي المناصب لمجرد أنهم أبناء وزراء أو رؤساء وزارات.
ودافع عن السيد ممدوح العبادي الذي له تصريح مشهور بأنه تم جلب أفراد من الشارع وتوزيرهم في معرض دفاعه عن تولي أصهاره لمواقع وظيفية بمستوى وزير.
ثمة حقائق لا بد من تجليها وتبيانها لأن نصف الحقيقة أخطر بكثير من كل الباطل.
والروابدة بارع في استخدام نصف الحقيقة.
أولا : لا يوجد شخص يريد منع أبناء المسؤولين من أن يتولوا أو يعملوا في أي موقع كان داخل الدولة وخارجها، لكن السؤال المباشر هنا :
هل تلك التعيينات تمت وتتم عبر الإعلان عنها وعبر التنافس الحر النزيه ؟
هل هناك ابن مسؤول تم تعيينه عبر قوائم ديوان الخدمة المدنية وسلم رواتبه وترقياته وعلاواته السنوية ؟
هل بدأ ابن المسؤول في الوظيفة ضمن أدنى المراتب التي يفترض أن يمر فيها أي موظف ؟
وهل تمت و / أو تتم ترقيته حسب الأصول الوظيفية؟
وهل يحصل على راتب بما يوازي ويكافئ زميله في الدرجة الجامعية والاختصاصية والوظيفية في مواقع الوظيفة الأخرى ؟
هل هناك ابن مسؤول ينتظر أو انتظر سنوات طوال كما هو حال 99% من المواطنين على قوائم الموت السريري الوظيفي للخدمة المدنية ؟
هل حصل ابن المسؤول على الموقع بدون واسطة وبدون اتصالات وبدون علاقات وبدون تواطؤ وتجاذبات وتنفيعات ؟
لن أتحدث بالأسماء المعروفة لكل أبناء المسؤولين الذين يتقاضون رواتب شهرية لا تقل عن عشرة أو عشرين ألف دينار وأكثر شهريا في مواقع يتساءل كل مواطن عن كيفية التقدم والتأهل لها .
ثم يدافع الروابدة عما صرح به ممدوح العبادي عن أن وزراء جاءوا من الشارع، وهذا يناقض قول الروابدة أنه مع تعيين أبناء المسؤولين شريطة أن يكونوا من ذوي الكفاءة. فكيف تستقيم هذه مع تلك . فالمفروض حسب رأي الروابدة أن يتاح المجال لأبناء الحراثين كي يتولوا المناصب العليا. فكيف يوافق ممدوح الذي يريد مسطرة الجدارة والخبرة والمرور في العمل العام من أجل تولي المناصب العليا.
ثم كيف للمواطن العادي في كل شيء أن ينافس أو يفكر مجرد التفكير بالتقدم لمثل هذه المواقع التي يتم تفصيلها بالمقاس على حجم وقدر ابن هذا المسؤول وذاك. فمعلوم أن أبناء المسؤولين يتم تهيئتهم وابتعاثهم على حساب الدولة ليستكملوا الدراسة والمهم الحصول على شهادة من جامعة ودولة غربية لأن هذا هو المدخل الرحب لتلك المواقع وهو نفسه المدخل الصعب على 99% من المواطنين.
وما زلت محتارا في فهم المقصود بجملة أبناء الحراثين، والحراث هو الفلاح الذي يحرث الأرض، حيث تستخدم الجملة في الدفاع عن جذور وماضي وعراقة وامتداد جغرافي وتاريخي، والسؤال : هل يدرك الروابدة أن الحراثة التي يتحدث عنها أصبحت على شكل تراث يتم التباهي به في المهرجانات والمعارض والاحتفالات، وأن البناء والإعمار والمدنية اقتحمت حياتنا حتى عمق الصحراء والبادية.
فإذا كان يقصد بها هذا التراث ، فهو تراث يملكه الجميع في المجتمع، أما إذا كان يقصد الحراثة اليدوية التي كانت سائدة قبل عشرات السنين، فهذه انقرضت وانتهت. ولا تمايز بين أية فئة عن غيرها في المجتمع.
ناهيك عن سؤال أخطر وهو إضفاء منظومة قيمية لا يعرف كنهها ومحتواها ويتم اسقاطها على تصنيفات اجتماعية مسيسة كما هو الحال مع جملة أبناء الحراثين. فهي كما يبدو من استخداماتها تعتبر شماعة من أجل الحصول على مكاسب وامتيازات بذريعة أنهم أبناء الحراثين.
قبل الانتهاء من الثرثرة التي لا طائل منها، فقط أريد تعريف الروابدة بسيرتي الوظيفية، أنا درست في مدارس الوكالة حتى الصف الثالث الإعدادي، ثم مدرسة حكومية في الثانوية، وخدمت الخدمة الإجبارية براتب 19 دينار شهريا، وحصلت بطلوع الروح على مقعد في الجامعة الأردنية وعبر التنافس لمن هم خارج الاستثناءات كلها، بل كانت الدراسة لأول فصلين برسوم مضاعفة على اعتبار أنها دراسة خاصة . وكانت على نفقتي المتواضعة البائسة. ودخلت الوظيفة عام 1993 في أدنى المراتب الوظيفية براتب 182 دينار، مع زيادة سنوية يمكن حجبها لأية أسباب أو لمزاج مسؤول / مدير، ولا تزيد عن دينارين. وواصلت طموحي الدراسي وعلى نفقتي فاستكملت الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه لأجد نفسي في وسط خيارات صعبة جدا حيث كان لي 15 سنة في الوظيفة وعلى التقاعد المدني، وفي حالة تقديم الاستقالة فإنني أفقد كل حقوقي التقاعدية.
وواصلت الحفر في الحياة ، فحاضرت كمحاضر لمرة أو مرتين لطلبة دراسات عليا، وشاركت في عشرات المؤتمرات العلمية داخل وخارج الأردن إما على نفقتي أو على نفقة الجهة المستضيفة.
وصولا إلى عام 2020 حيث وجدت وزيرا من وزراء الغفلة الذين سقطوا بالبراشوت على الحكومة، فإذا بي محال على التقاعد مع حرماني الترفيع للدرجة الخاصة، وبراتب تقاعدي لا يقيم أودا ولا يحترم مكانة إنسان. كل هذا فقط لأنني اعترضت على ممارسات الوزير التي كادت أن تطيح بالبلاد والعباد وباتفاق من الجميع.
فيما أبناء المسؤولين الذين تدافع عنهم دولة الروابدة يبدأون مسارهم الوظيفي براتب لم أحصل عليه وظيفيا طيلة مدة خدمتي الوظيفية.
لا أذيع سرا إن سألت الروابدة إن كان قد سمع بمعايير وأسس تولي المواقع الوظيفية العليا في الدولة. فأنا تقدمت لوظيفة بمستوى مدير عام منذ ثلاثة أشهر ولم يتم حتى اللحظة الإعلان عن أية مقابلات أو عن أي مرشح فاز في الوظيفة. هذا الشاغر يا دولة أبو عصام تطلب مني سهر ثلاث ليال طوال من أجل لملمة المعززات والوثائق والشهادات والمؤهلات كي أتمكن من تلبية الشروط الأولية للدخول في التنافس على الشاغر، حيث بعد أن تحظى بالموافقة على قبول الطلب ، هناك مرحلة ثانية تدعى بالمقابلة الشخصية مع لجنة وزارية يفترض أنها برئاسة رئيس الوزراء شخصيا كي يتم الانتقاء والاصطفاء من بين المتنافسين، حيث بعد المقابلات يتم جمع العلامات والخروج بالمعدلات النهائية للمتنافسين من أجل تحديد الحاصل على المرتبة الأولى.
لو أننا في دولة تقوم على العدل والنزاهة والتنافس الشريف والكفاءة والأحقية ، لأجريت على الأقل مساءلة السيد النائب منذ ثلاثة عقود ونيف وأعني فواز الزعبي الذي ظهر في لقاءات متلفزة متباهيا بعدد الذين قام بالتوسط وتعيينهم في مختلف الدوائر الحكومية، ليس رقما بالآحاد أو العشرات أو حتى المئات، بل تحدث عن آلاف من المحظيين الذين توسط لهم بالتعيين دون خلق الله ممن يحملون الرقم الوطني ويعيشون على ذات التراب ويتنسمون ذات الهواء. لا أريد أن أحرجك في الثرثرة التي لا طائل منها، لكن فقط هو سؤال ساذج : هل تتذكر عدد الذين توسطت لهم في وظيفة أو أي عمل ؟
وهو سؤال ليس موجها لكم فقط ، وإنما لكل من تبوأ موقع أن يكون فيه صاحب قرار مع شبكة علاقات عنكبوتية زبائنية نفعية.
ربما يجدر بي تقديم الشكر للسيد فواز الزعبي الذي كان صريحا أكثر بكثير من غيره ممن فعلوا ذات أفعاله لكنهم لم يتجرأوا على التصريح بها.
شكرا فواز الزعبي .. ممدوح العبادي .. على الوضوح التام والصراحة التي أذهلتم الشعب في جبروتها.
قلت منذ البداية أنها ثرثرة لا طائل منها، وأنتهي أنها هي العمق لكل التعسف والقرية الظالم أهلها.
أمدك الله بأسباب الصحة والعافية دولة أبو عصام . وعذرا أبناء المسؤولين فقد أكون خدشت أسماعكم أو أثقلت عليكم بما لا ينبغي.