د. ماجد الخواجا يكتب: خطوة سابقة لرئاسة ترامب
نبأ الأردن -
ما بين عامي 2016 و 2024 جرت حوادث وتحولات بدّلت وجه العالم بالكامل، فهل جرى هذا التحوّل في خطاب الرئيس المنتظر إعلان فوزه التاريخي وغير المسبوق.
بتحليلٍ بسيطٍ ومن خلال ما تحمله الذاكرة عن فترة ترامب الأولى، فهو شخصية فريدة ربما لم ولن تمر على العالم مثلها من حيث اجتماع المتضادات والمتناقضات في ذات الخطاب الترامبي. لقد جاء في مرحلة كان العالم منهكاً فيها ويبحث عن أية حلولٍ مهما كانت نواتجها أو عواقبها، تماماً كحالة شخص معلّق على ارتفاع شاهق يتشبث ببضعٍ من أصابعة المتعبة كي لا يسقط وينتهي، فجاءه الخلاص عبر الاستسلام النهائي مقابل البقاءعلى قيد الحياة فقط.
في خطاب ترامب الذي يعلن فوزه في الانتخابات قبل إعلانها رسمياً، لم تختلف مفردات ومحتوى الخطاب عن خطابه عام 2016 من حيث التعالي على العالم أجمع، ونشر الأحلام بحياةٍ أفضل للجميع، ويكرر حربه على من يسميهم بالمجرمين عابري الحدود، ووعود بخفض الضرائب وتحسين الرواتب، وطبعاً لا ينسى بعباراته فائقة التمثيل أنه سيقوم بإطفاء الحرائق المشتعلة في عديد من مناطق العالم. فيما يتشّح باللباس الديني الإيماني معتقداً انه وعد الله على الأرض.
خطاب لا يعوزه أدنى تحليل في حجم المتناقضات التي يتضمنها. ما زال ترامب يقدّم نفسه كأنه المخلّص من ويلات البشر وعذاباتهم، لكن الخلاص بفهمه يقوم على نظرية القوة والاستقواء، وأن هناك معسكراً للشرور يتمثل في الصين والإرهاب الشرق أوسطي المغلف بعباءات التطرّف الديني، لكنه لم يأتِ على ذكر إيران وروسيا وكوريا الشمالية اللاتي يرى أنه بإمكانه احتواؤها وفرض اشتراطاته عليها.
لقد تباهى ترامب أنه في مرحلة رئاسته الأولى أنهى داعش كتنظيم إرهابي، وأنه سيطفئ أية تنظيمات مشابهة دون ذكرها صراحةً.
يبدو العالم متجّهاً نحو مزيدٍ من الظلم والجنون والحماقات التي قد تشعل حرباً عالميةً لا تبقي ولا تذر، فلم يثبت تاريخياً أن نظرية الاستقواء على الآخر يمكن لها أن تجني نتائج دائمة ومستقرّة، طالما كانت الحلول مجتزئة وغير منصفة تمنح من لا يستحق، وتحرم من له كل الحق. فهي كالجمر تحت الرماد ستبقى جذوتها مشتعلةً إلى أن تجد فرصتها لتعلن عن نفسها.
هناك من يرى في فوز ترامب فرصةً للتغيير وعودة الاستقرار للعالم بزعم أنه يمتلك الحل لمعضلة روسيا وأوكرانيا، ناهيك عن الحل للصراع في المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني. ويستندون في ذلك إلى قوة إرادة وشخصية وعزيمة ترامب، وأنه لن يترك ملفاً دون أن يوجد له حلّاً.
إنها مرحلة عصيبة وغريبة ومتعددة الاحتمالات المفتوحة على كل شيء، سنوات سيقضيها العالم وهو ينتظر تغريدات ترامب الكافية لتغييرات جذرية وحاسمة هنا أو هناك.
وفي حال فوز الجمهوريين بمجلسي النواب والشيوخ، فإن أمريكا ستشهد مرحلةً لم تعهدها بتاريخها المعاصر من قبل. وسينعكس ذلك على العالم بأسره.
المشهد سيعيد إنتاج العهد والفترة الأولى الترامبية، لكن بنضجٍ أكبر، ربما سيخفف ترامب من لهجته المتشددة والواثقة في كل ما يصدر عنه، لن يمارس دور المحارب على كافة الجهات، لن يجعل الإعلام خارج حساباته.
لكن العالم سيشهد مرحلةً جديرةً بالحزن والترقب والتوجع، فالأمل بنشر العدل والإنصاف لن يحققه ترامب المتدثر بلباس اليمين المتطرف دينياً وسياسياً.
عالم محكوم بإعادة إنتاج التعسّف وابتلاع الحقوق وفرض القوة، وجنون وحماقات قد تودي بالكرة الأرضية إلى غياهب الكون العميق.
بالتأكيد لن يكون العالم أجمل كثيراً فيما لو فازت هاريس، لأنها هي وترامب محكومان لمعايير ومحددات لا يمكن تجاوزها أو القفز عنها.
انتظروا عالماً أكثر جنوناً محكوماً لتغريدات ترامب.