أمل خضر تكتب: الهمم العالية
نبأ الأردن -
ما سيأتي في مقالي هو أهداء إلى أصحاب الههم العالية ومنهم زميلتي إسراء من قسم الديوان. ولا أنكر أن هناك أشخاصا كان لهم دور كبير في زيادة الأمل والدافعية للعمل والتميز، وزيادة الرغبة لدي لإثبات أن الإنسان قادر على هزيمة كل العقبات والعثرات التي تعرض لها، وكانت في لحظة سبب هزيمته وتدميره، بل تحطيم آماله ومستقبله، ولكن بوجود أصحاب الهمم تولد في داخلك بذرة لتصبح شجرة يستضل بضلها كل شخص يبحث عن أمل لغد ومستقبل، وأحمد الله أن أرسل لي مدارس أنهل من تجاربهم وثقافتهم، وفي كل مرة أتحدث فيها مع الدكتور بشر العطيوي والذي هو مديري، أخرج بحصيلة أفكار أترجمها بكلمات وجمل أخطها لكم، لعل في يوم ما يكون صداها عالميا.
أصحاب الهمم العالية لا يوجد في قاموسهم شيء اسمه المستحيل.
إن ما يميز الإنسان الناجح عن غيره هو علو همته، التي تمثل بالنسبة له القوة والعمل من أجل النجاح وتحقيق الذات، فالهمة هي الباعث على الفعل، والهمة العالية استصغار ما دون النهاية، لذا فإن أصحاب الهمم العالية هم دائمًا وأبدًا من يحققون أحلامهم واهدافهم التي يسعون من أجلها، لتميزهم بالدأب والإرادة والإصرار للوصول إليها.
يسلكون الطريق إلى ذلك بجد وإصرار واجتهاد؛ من أجل تحقيق أهدافهم، لا يستصعبون شيئًا مهما عظم، ولا يستحقرون شيئًا مهما كان، فهم يأخذون الأمور في كل الأحوال بمنتهى الجدية للوصول إلى حلمهم، مبرهنين لأنفسهم قبل غيرهم على تميزهم وتفوقهم لتحقيق الأهداف الكبرى.
ومهما كانت الصعوبات التي يواجهونها في طريقهم، فإنهم لا يؤمنون أبدًا بشيء اسمه الفشل، ولا يمتلكون "شماعة" يضعون عليها أخطاءهم، حتى إذا تعثروا، فإنهم ينهضون للمضي نحو هدفهم بمنتهى القوة، ذلك هو علو الهمة الذي يجعلهم لا يستمعون إلى هؤلاء الذين يريدون تكبيلهم، ولا يتوقفون أمام من يحاولون تعجيزهم، لديهم ثقة كبيرة في أنفسهم تجعلهم يؤمنون بأن ما يسعون إليه سيدركونه بالعمل وبالتوفيق من الله.
يقول سيدنا عمر -رضي الله عنه-: "لا تصغرن همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته". يريد أن يقول إن الإنسان إذا لم يمتلك الهمة في الحياة فإنه لا يساوي شيئًا، ولن ينجح فيها، لأنه يفتقد العامل الأهم، والذي من دونه لن يبلغ حلمه، ولن يحقق ذاته.
ويعرف الإمام بن القيم علو الهمة بقوله: "علو الهمة أن لا تقف -أي النفس- دون الله وأن لا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه، والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات".
ومن كبُر هدفه ازدادت همته علوًا، فإن علو الهمة من الإيمان، لذلك أصحاب الهمة العالية تجدهم أكثر التزامًا من غيرهم، وأكثر تطلعًا لإرضاء الله في كل أحوالهم، يراقبون الله في كل مواقفهم، لا يعصونه من أجل غاية، ولا يعبدونه رياءً وسمعة، رضا الله بغيتهم.
لا يصاحبون إلا من كانوا مثلهم من ذوي الهمم العالية؛ الذين لا ينشغلون بصغائر الأمور، ولا يعملون إلا من أجل الأهداف الكبرى، وهم أكثر الناس حبًا للخير، يحبون للناس ما يحبونه لأنفسهم، يتطلعون إلى النجاح بجهدهم، لا على أكتاف غيرهم، لذلك فإن الله أوصانا أن نلزم هؤلاء وأن نختارهم لنا أصدقاء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".
وعن أبي كبشة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم_: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربع نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء".
وإذا كان الطائر يطير بجناحيه وترفعه إلى السماء، فإن الإنسان يملك ما هو أهم من الجناحين؛ يملك الهمة التي تجعله يطير، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، فعلو الهمة، هو عنوان أصحاب الإرادة، الذين لا يمنعهم مانع، ولا تقهرهم الصعاب عن مبتغاهم، وقوة الإرادة تحتاج إلى هدف كبير، وإلى علم غزير، لذلك قالوا: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم.
والأهداف الكبرى هي التي تتجاوز فكرة الأهداف الشخصية التي يسعى الإنسان لتحقيقها لنفسه، فهي أكبر من أن يتم اختزالها في ذلك، هي التي يسعى من خلالها إلى خدمة أمته ووطنه، هو الذي يدرك في قرارة نفسه أنه يمكن أن يقدم الحلول الناجعة لأزماتها ومشاكلها، وينفذ المشروعات الكبرى التي ترتقي بها، فذوو الهمم العالية هم من يحملون هموم أمتهم في قلوبهم، وينشغل تفكيرهم بحالها، يسعون لنهضتها، ويعملون على الارتقاء بها بين مصاف الأمم.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى في القرآن إلى ذوي الهمم العالية في أكثر من موضع، وأثنى عليهم، فأسمى الأنبياء الذين كافحوا من أجل تبليغ رسالات ربهم، وتعرضوا للأذى الشديد في سبيل ذلك بــ "أولي العزم"، وحث النبي على الاقتداء بهم "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ"، ومنها أنه عبر سبحانه وتعالى عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة، والقوة في دين الله، "فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ"، "يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ"، "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا". وقد أمر المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ".
أصحاب الهمم العالية هم من يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة"؛ لأنهم قليلون في العدد، هم الذين قصدهم النبي أيضًا في قوله: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها"، لأنهم يعلمون أنهم وإن لم يجنوا ثمار زرعهم في الدنيا، فإنهم سيحصدون في الآخرة، وقد وصفهم بأنهم من ينشغلون بكبائر الأمور لا بصغائرها، فقال: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها".
كلمة أخيرة: لا تجعل الآخرين مسؤولين ومتحكمين في همتك، ومهما كان القبح حولك كن أنت الجمال، ومهما كان الضعف كن أنت القوة .
اجعل القوة الإيجابية في حياتك هي السائدة، لا تستسلم للتفكير السلبي و اليأس ..
قد يرى البعض أن هذا الكلام مجرد شعارات جوفاء لا تمت للواقع بصلة، لكن عند التمعن في هذا العالم سنجد أن الكثير من تجارب النجاح هي وليدة مخاض سبقته تجارب كثيرة
انتهت بالفشل، الذي لم يفلح في قتل عزيمة وإصرار صاحب التجربة.
فالفشل هو ببساطة فرصة جديدة لكي تبدأ من جديد، لكن هذه المرة بذكاء أكبر.

























