د. ماجد الخواجا يكتب: ملاحظات على هامش الأضحى

{title}
نبأ الأردن -
أما وقد انتهت أيام الأضحى التي كانت ممزوجة بعبق وقبس إيماني ذو تجليات روحانية صافية، ابتهلنا فيها لله عزّ وجلّ أن يمنّ علينا بالفرح والسعادة والمحبة، أيام خارج الحسابات المعتادة ووالمألوفة، تمتلئ بدفء علاقات وتبادل زيارات وتعاطف واستذكار لأنقى معاني الإنسانية.
في كل عيدٍ أشاهد فيه تلك التجمعات للزرائب المكتظة بالماعز والخرفان والأبقار وحتى الجمال الجاهزة للبيع كأضاحي، مع القيام بعمليات الذبح والسلخ تحت وطأة حرارة الشمس اللاهبة.
تجمعات على جنبات الطرق الرئيسة والفرعية وأحياناً كثيرة تشاهدها داخل الحواري والأزقة لكن بأحجام أقل، وليت الأمر يقف على البيع للأضاحي، لكن يتم ذبحها وسلخها في نفس الموقع، ويتم تجميع ما يدعى بسقط الذبائح من كروش وجلود وأرجل ومخلفات الحيوانات لتشكّل مكرهة صحيّة بالفعل.
لن أتحدث من النواحي الصحية عن وصف كيفية الذبح تحت أشعة الشمس اللاهبة ومن ثمّ القيام بعملية السلخ لها وتقطيعها ووضعها في أكياس وحملها في السيارات، وأعتقد أن المدد والمراحل التي تتطلبها تلك العمليات قد تكون من الخطورة بمكان عن سلامة اللحوم وجودتها.
في كثيرٍ من الدول التي تمارس شعيرة ذبح الأضاحي، يكون ذلك في المسالخ المجهزة بكل متطلبات الذبح والتقطيع والتبريد والتنظيف والتخلص من بقايا الحيوانات بصورةٍ حديثة ومتحضرة، ودون إزعاج المارة أو الجيران بروائح وضجيج وصراخ ومكاره صحية لا داعي لها.
يذهب المضحّي إلى المسلخ ويشتري أضحيته ويستلمها الجزّار بعد أن ينوي المضحّي ما يريد على أضحيته، وينتظر استلام أضحيته جاهزة منظفة مقطعة مبرّدة ومغلفة وموضوعة في أكياس. فلا تشاهد على جنبات الشوارع مطلقاً ما يجري عندنا.
كنت قريباً من إحدى الحاويات حين داهمتني رائحة خروف مذبوح بأكمله ملقى في الحاوية والذي يبدو أن حرارة الطقس وطول الانتظار للسلخ قد أفسدت اللحم مما اضطر صاحبه للتخلّص منه.
أدرك أن هناك رقابة وعناية واهتماما من طرف كوادر الأمانة والبلديات، لكن في ظل التوسّع الهائل بأعداد الزرائب المتناثرة بالعشرات وربما المئات على جنبات الطرق الرئيسة، ومع ضغط أعداد المضحّين الذين يريدون الحصول على أضحيتهم بأسرع ما يمكن، يضطر الجزارون أن يراكموا متبقيات وسقط الذبائح لتأخذ على مدار أيام الذبح الثلاث شكل مكرهة وتلوّث بيئي سيئ للغاية.
لقد أرهقنا البيئة بممارساتنا المنتهكة لأبسط قواعد التعامل معها، ولا أعتقد أنه من الصعوبة على الحكومة أن تحدد وتقرر أماكن الذبح والبيع للأضاحي داخل المسالخ الآلية ذات التجهيزات الحديثة. فنحافظ على سلامة البيئة، ونحافظ على سلامة وصحة اللحوم وجودتها.
انتهى الأضحى ولم تنته حكايا متعبة تشكّل ضغوطاً وتوترات عالية عند مطالعة تفاصيلها، فما زلنا نتبنى قاعدة أن القانون لا ينبغي الالتزام والتقيّد به، إلا حين يتم تنفيذ بنوده الجزائية علينا، أما أن نقوم بالضبط الذاتي لأنفسنا وممارساتنا، فهذا شيء بعيد الأوان. وأكبر مثال على ذلك قانون السير المعدّل، حيث الفهم الشعبي له على أنه عبارة عن حملات ومداهمات فجائية، وليس نظاما دائما وواجب الاتباع، فما أن تبدأ حملة التفتيش على وضع حزام الأمان حتى نجد كافة السائقين ملتزمين بذلك، لكن ما أن تنتهي الحملة، يعود الحال لما هو عليه سابقاً.
هي ليست مجرد ملاحظات بقدر ما هي ظاهرة مزمنة تحتاج إلى جراحات موجعة لكنها لازمة وضرورية.
إلى لقاء محبة في أضحى محبة قادم.
تابعوا نبأ الأردن على