وائل منسي يكتب: اقتصاد السوق الاجتماعي

{title}
نبأ الأردن -
(1) هو نظام اقتصادي يتبنى اقتصاد السوق لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق كما يرفض أيضا الاشتراكية الثورية، حيث يجمع القبول بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط حكومية تحاول تحقيق منافسة عادلة، من تقليل التضخم، وخفض معدلات البطالة، ووضع معايير لظروف العمل، وتوفير الخدمات الاجتماعية.

(2) مبدئيا يعارض اقتصاد السوق الاجتماعي سيطرة الحكومة على وسائل الإنتاج كما يعارض الرأسمالية المطلقة التي لا تسمح للدولة التدخل في السوق والاقتصاد مطلقا.

(3) اقتصاد السوق الاجتماعي هو النموذج الاقتصادي الذي أصبح الأكثر انتشارا في ألمانيا وكذلك في النمسا، والدول الإسكندنافية وبعض الدول الأخرى حسب سياسات الحزب الحاكم فيها وكل بلد حسب ظروفها الإقتصادية وطبيعة انتاجها وتنوعه.

(4) ارتبط اقتصاد السوق الاجتماعي بالنجاح الاقتصادي الباهر في ألمانيا "المعجزة الاقتصادية الألمانية Wirtschaftswunder" بعد الحرب العالمية الثانية، وانتشر بعدها في كثير من الدول الاوربية حيث تبنته أحزاب الديمقراطية الاجتماعية وأحزاب اُخرى.

(5) قد يفهم من تعبير اقتصاد السوق الاجتماعي خطأ بأنه ينتمي إلى الاشتراكية ولهذا فيستحن فهمه على أنه اقتصاد سوق اجتماعي.

(6) ليس مصادفة أن الدول الأقل تضررا في الأزمات الإقتصادية العالمية من العام 2008 وما بعدها، كانت الدول التي تنتهج الديمقراطية الإجتماعية ومبادئ السوق الاجتماعي، ومنها كما ذكرنا الدول الإسكندنافية وألمانيا، حتى في جائحة الكورونا الأخيرة وأيضا الحرب الروسية في اوكرانيا، برزت أهمية هذا النهج في مواجهة النهج والسياسات اليمينية المتطرفة أو النيو ليبرالية المتوحشة.

(7) يتجه العالم الآن في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية - نوعا ما إلى صعود نجم الديمقراطية الإجتماعية ونجاحها المتعاظم لها.
والتوازن المطلوب في الإقتصاد يقوم على تضخم محدود، والحد من البطالة وتوفير ظروف العمل اللائق، وتحقيق مستوى مقبول من الرفاه. كما يتيح هذا النظام إمكانات كبيرة فيما يخص المفاوضات الجماعية والعمالية والتي تحقق التوازن المطلوب.

(8) يقوم اقتصاد السوق الاجتماعي على مبدأ وأساس ممارسة الدولة لدورها في ضمان تكافؤ الفرص، ليس فقط في الحصول على الوظائف، بل في التأهل لتلك الوظائف من ناحية الحصول على التعليم والتدريب اللازمين.

أما القطاع الخاص، فتقع على عاتقه مسؤولية مجتمعية وبيئية وهو المشغل الرئيسي للوظائف مع منحه حوافز.

(9) في السويد:
معظم إيرادات الدولة من الضرائب التي تصل نسبتها من الناتج القومي الإجمالي 80 % ، وتصل نسبة الضريبة التصاعدية فيها على مداخيل الأفراد والمؤسسات إلى 60 %.
وتنفقها الدولة على التعليم والصحة والتأمينات الإجتماعية وتحسين وتطوير البنية التحتية من نقل وكهرباء ومياه وتكنولوجيا.

(10) في الأردن:
في فترات ماضية عندما أصبحت الدولة الأردنية أكثر وضوحا لملامحها وتطورا في الخمسينات والستينات وما بعدها، كانت تنتهج الدولة هذه السياسة الإقتصادية رغم صغر حجم الإقتصاد الأردني، وخاصة في عهد حكومتي الشهيد وصفي التل في أول الستينات وأول السبعينات، التي كانت تشجع وسائل الإنتاج والجمعيات التعاونية والسيطرة على شركات القطاع الخاص الإنتاجي الكبرى مثل المصفاة والفوسفات والبوتاس وغيرها، ونوعية التعليم، لكن هذا النموذج لا يشكل إلا مقاربات محدودة مع نموذج وتطبيقات السوق الاجتماعي.

(11) تخلى الأردن تدريجيا عن هذه السياسة وأصبح ينتهج سياسات أكثر ليبرالية ونيوليبرالية في العقود التي بعدها.

(12) ما تزال فجوة الدخل بين فئات المجتمع في الأردن عميقة، والسياسات المتبعة، لاسيما الضريبية منها، لا تذهب باتجاه المبدأ الذي تنادي به الديمقراطية الاجتماعية واقتصاد السوق الاجتماعي.

فضريبة الدخل على الشرائح العليا من الدخل في دول تتبع المبدأ تصل إلى أكثر من 60 في المائة في بعض الحالات، ومقابل ضرائب الدخل المرتفعة هناك، لدى الأردن خدمات متفاوتة في مجال التعليم والصحة، وبنية تحتية وفوقية؛ أيضا متفاوتة، عدا التشوهات الاقتصادية المزمنة، دون تحقيق عدالة إجتماعية متوازنة وتكافؤ في الفرص.

(13) مثال ذلك:
كانت الضريبة في الأردن على أرباح البنوك في السبعينات ولغاية آخر التسعينات 55% ، ولما تضاعفت أرباح البنوك بعدها لأرقام قياسية خفضت الحكومة الضريبة على ارباحها إلى 25 %.

وبعد الربيع العربي ارتفعت إلى 35% وفي حكومة د. عمر الرزاز ارتفعت إلى 37 %.

هذا مثال صارخ على مراعاة الحكومة مصالح إقتصادية لأفراد وعائلات ولوبيات مصرفية واقتصادية ضمن إقتصاد مشوه لا تعرف له منهج واضح.

(14) النموذج الأوروبي اختلفنا أو اتفقنا معه، يصاحبه أنظمة سياسية ديمقراطية لبلادها ومجنمعاتها، تقوم على مبدأ المساءلة والشفافية شبه المطلقة فيما يتعلق بالإنفاق العام.

وإذا انتقلنا إلى الجوانب الإنتاجية في الاقتصادات التي تتبع هذا المبدأ، سنجدها عريضة ومتنوعة، ولن نجد مفهوم دعم السلع المشوه، أو طلبات الحماية التي لا تنتهي، أو التشوهات السعرية والتركز في الأسواق وتحديد هوامش ربح مرتفعة، كما هو حاصل في سوقنا المحلي.

وتوجد عجوزات هيكلية في الموازنة بعد وقبل المساعدات، وخلل مزمن في الميزان التجاري.

فهل يمكن الحديث عن توازن معقول وعدالة إجتماعية ولو بحدها الأدنى للفئات المختلفة محليا؟ وكيف نبدأ الطريق لاتباع مبدأ التطور والتحديث والتنمية على مدى سنين؟

(14) من التمنيات تحقيق جزء من مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي كما أرساه أصحابه، ولكن يبدو أن للأردن نسخته الخاصة من اقتصاد السوق الاجتماعي - كما ذكرت لكل بلد ظروفه ونوعية اقتصاده، لكن ضمن منهجية واضحة، ولكن ما هي الأسس التي على أساسها نعمل على ترجمة تلك المبادئ؟ ومن هم الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون في تحقيق ذلك؟
 
من استلم الحقائب الوزارية الإقتصادية الهامة أو رؤساء وزراء هم من خلفية مصرفية أو مالية، وليست إقتصادية بتفكير فلسفي وفهم عميق للمجتمع وتحولاته الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية.

يبقى السؤال معلقا: هل نحن مؤهلون لهذه التحولات والتغييرات الجذرية المتسارعة؟ وكيف؟ ومتى ؟


تابعوا نبأ الأردن على