عائشة الخواجا الرازم تكتب : ..(على أسوارنا دوالي واشتراكية الهبلان )
تركت لكروم الدوالي في منزلنا حيزاً عظيماً من الرعاية والسقاية والاهتمام ، حتى أنني وخلال زراعتي لكل دالية صغيرة ، كنت أهمس بترتيل آيات من القرآن الكريم وأغمس كفي بالماء وأرش وريقات الدالية بندى الروح !
كنت أغرس الأشتال وفي روحي وهج مدينة الخليل وجبالها وكأني أتجول بين كروم عجلون وعروس الشمال وخير البلاد كلها بلا استثناء .
وفي كل زاوية من تراب البيت جعلت عملاقاً من الحلم يتدرج ويتعملق على الأسوار الحجرية التي زخرفنا حماياتها كأقفاص احتضان شرايين الدوالي المتسارعة النمو .
، ولم أسمح لمزارع بالعبث والعناية بكرم المنزل ، وتعاملت مع أغصان كل دالية الحنان ، أتفقدها وكل وريقة منقوشة بثقب حشرة ألتقطها برؤوس أصابعي وبمقص لطيف خشية إيلامها ، وأمتنع عن رشها بالمبيدات أو حتى إغراق الدوالي بأي سماد .
استقبلت الفصول عناقيد الأعناب كأنها من جنة الثمار .
ووزعت صلاة الفجر بين ممرات كروم الروح هذه ، حتى اخضرت وربت وتلونت العناقيد على أمهاتها، وتفرعت مثل الريح العطرية التي اختلطت بأشجار الياسمين والجوري المتسلقة على كل أسوار البيت .
تدلت عناقيد العنب قطوفاً وقناديل ، والجيران يحاولون تلقيط وجبات ورق الدوالي ، وزينت زوايا الأسوار وامتداداتها وقلت في سري وعلني ، أن كل أغصان الدوالي خارج الأسوار ستكون نصيباً وأجراً حسنا " زكاة الدوالي للجيران ، عابري السبيل وعاهدت نفسي وأهل بيتي على عدم الاعتراض على ذلك وأن لا يتعرض سبيل ابن السبيل أحد !
وذات صباح والعادة هذه نشطة معروفة عن دوالي البيت وكما جرت العادة أن يغمر السرور قلوبنا لدى تكاثر الثمار خارج الأسوار فالثمار خلف الأسوار لكل جيران الحي ولكل شهوة كل جارة ترغب بطهي ( طنجرة ورق الدوالي )
قلت وأنا سعيدة بالخير ونعماء الله التي هبت على منزلنا داخله وخارجه وتعربشت العناقيد داخل الأسوار وخارج الأسوار : أليست أحلى اشتراكية تهيب بالنفس للمشاركة بالكلأ والماء والنار ؟
إلى أن بدأت أرى براميل كبيرة تحاذي أسوار البيت يصعد عليها أولاد وأمهاتهم وأحياناً آباؤهم ! وخجلت من نفسي في البداية لو منعتهم أو حذرتهم ، فأنا البادئ ، والبادئ أظلم ! وأنا الذي أبدى الكرم وطال بيده القمر وأباح باشتراكيته الثمر .
تفاقمت عمليات الاشتراكية حتى تحولت إلى رعب وخوف وقلق . فأولاد الحارة والبنات يأتون في الصباح والمساء ويمرشون .
والدوالي تتعرض (للنهش والخفش والمرش) أهذبها وأتعب عليها فيشوهونها ، وتتعفن حبات العنب على العناقيد الممروشة بعنف والمفعوصة ، وأنا التي أتعامل مع عنقود العنب بلطف وهندسة وتجميل ، وأقص العنقود منسقا بالمقص وأسمي على العرق كأنه شريان في يدي .
تطورت الأمور إلى أن أضحيت أنا وأسرتي نرى حول بيتنا حجارة عالية وبراميل وأحيانا سلالم خشبية صغيرة للصعود عليها , فننشغل بإزالتها وأضاف ذلك علينا جهدا مفاجئا كنا في غنى عنه . ولكن لا فائدة !
وذات صباح ألقى رجل من الجيران هو وزوجته تحية الصباح علينا ونحن نتناول إفطارنا في الحديقة وهما يقفان على برميلين ويمرشان ورق الدوالي المؤتلق داخل حرم أسوار البيت وكأنهما لم يعجبا بما هو خارج حرم وحلال البيت .
أحسست أنهما استباحا السور إلى داخل البيت وراحا يلتقطان بعنف ويهزان الكرم العتيد !
يبدو أن الورق الأخضر من خارج الأسوار لم يعد يقنع الجيران ويشبعهم .
تأملت في اشتراكيتي فأوصدت الطرق والحدود بالسياج واشتريت كلبا شرساً ( German Wolf) أنيابه خناجر وعيناه تقدحان بالشرر ! وعدت أتأمل كرم الدوالي وهو يصدح حزينا وثماره تتكاثر وتفيض عن حاجتنا ، ورجعت أحاسب نفسي والجيران يمضون في حال سبيلهم لا يجرؤون على رفع أبصارهم نحو الأسوار. تعذبني انكسارات خطواتهم ونظراتهم وخوفهم من الكلب المتوحش !
لكنني أقسمت بأن أكفر باشتراكية الهبلان!

























