أمجد الفاهوم يكتب:الأردن والهند: شراكة اقتصادية تتجاوز التبادل إلى بناء النفوذ

{title}
نبأ الأردن -
الأستاذ الدكتور أمجد الفاهوم

ينطلق المشهد الاقتصادي الأردني-الهندي اليوم من قراءة واعية لتحولات النظام الاقتصادي العالمي، حيث تُعاد صياغة مراكز الإنتاج وسلاسل التوريد، وتبرز الدول القادرة على بناء شراكات ذكية بوصفها الأكثر قدرة على حماية مصالحها وتعظيم مكاسبها. يلتقي الأردن والهند في هذه اللحظة عند مساحة مشتركة تجمع بين الاستقرار السياسي، والطموح الاقتصادي، والبحث عن أدوار أكثر تأثيرًا في الإقليم والعالم، ما يمنح العلاقة بينهما بعدًا يتجاوز الأرقام إلى الرؤية الاستراتيجية.

يعكس الزخم السياسي الأخير، المتمثل في انعقاد منتدى الأعمال الأردني الهندي والمباحثات التي جمعت جلالة الملك عبد الله الثاني برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إدراكًا مشتركًا لأهمية الانتقال بالعلاقات من مستوى التعاون التقليدي إلى مستوى الشراكات الإنتاجية طويلة الأمد. ويعزز توقيع مذكرة التفاهم بين اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية وغرفة تجارة الأردن هذا التوجه، باعتبارها أداة عملية لتنظيم التعاون، وتسهيل الاستثمار، وفتح قنوات مباشرة بين مجتمعي الأعمال في البلدين.

يبرز البعد الاقتصادي للعلاقة بوصفه مجالًا واسعًا للتكامل لا للتنافس، فالهند تمثل قوة صناعية وتكنولوجية صاعدة تمتلك خبرات متقدمة في التصنيع والدواء والتكنولوجيا، بينما يمتلك الأردن موارد طبيعية مهمة، وقطاعًا دوائيًا متطورًا، وكفاءات بشرية مؤهلة، إلى جانب موقعه الجغرافي الذي يؤهله ليكون نقطة وصل إقليمية. ويخلق هذا التلاقي فرصًا حقيقية لبناء نماذج تعاون تقوم على الاستثمار المشترك ونقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا.

يتجسد هذا التكامل بوضوح في قطاعات مثل التعدين والأسمدة، حيث أثبتت الشراكات القائمة قدرة الطرفين على تحقيق منافع متبادلة ومستقرة. كما تتسع الفرص في الصناعات الدوائية، مستندة إلى سمعة الأردن الإقليمية وخبرة الهند التصنيعية، بما يفتح المجال أمام التوسع في أسواق جديدة. وتتقدم التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي كمسار واعد، يسمح للشركات الأردنية، خاصة الناشئة منها، بالاستفادة من العمق الهندي في البرمجيات والذكاء الاصطناعي وبناء حلول مشتركة ذات قيمة مضافة عالية.

تتطلب المرحلة المقبلة دورًا أكثر فاعلية للمؤسسات الاقتصادية الأردنية، لا يقتصر على التمثيل أو الترويج، بل يمتد إلى التمكين وبناء الجسور العملية بين الشركات والقطاعات ذات الأولوية. وتكمل الجامعات ومراكز البحث والتدريب هذا الدور عبر إعداد الكفاءات، وتطوير البرامج المشتركة، ونقل الخبرات، بما يضمن استدامة الشراكة ويمنحها بعدًا معرفيًا يتجاوز الحسابات التجارية الآنية.

تختتم الصورة العامة لهذه العلاقة بإدراك متزايد بأن الشراكة مع الهند ليست فرصة ظرفية، بل خيارًا استراتيجيًا طويل الأمد، يقوم على المصالح المتبادلة والإدارة الرشيدة للفرص. ومع توافر الإرادة السياسية والزخم المؤسسي، يبقى التحدي الحقيقي في تحويل هذا التقارب إلى مسار اقتصادي متين، يعزز النمو، ويوسع قاعدة الإنتاج، ويمنح الأردن موقعًا أكثر حضورًا في خريطة الاقتصاد العالمي المتغير.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير