ميسر السردية تكتب: خطط لا تموت وعصافير لا تطير

نبأ الأردن -
سأل مذيع بريطاني موشيه دايان في لقاء على التلفزيون البريطاني:
"الخطة التي اتبعتها في حرب 67، هي نفسها التي ذكرتها في كتابك مذكرات حملة سيناء 56. ألم تخشَ أن يكون العرب قد عرفوا خطتك من كتابك؟"
فأجاب دايان بابتسامة ساخرة:
"لا، لأن العرب لا يقرأون."
صدق دايان، وهو الكذوب، بأن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا، فهم لا يستوعبون، أو يتعامَون، أو ينسون. وهم حقًا "ظاهرة صوتية"، كما وصفهم المفكر عبدالله القصيمي؛ ظاهرة مزعجة وبشعة أيضًا.
عبارة "لا يقرأون" التي استُهلّ بها الحديث، لا يُقصد بها هنا معرفة خطط الحرب بالرصاص، ولا عفاريت السياسة، وإنما نحن — العامة — الذين يُجَرّنا هذا أو ذاك من أبطال الدعاية للكيان من آذاننا كما تُجرّ الشاة، بعد أن قررنا تعطيل تفكيرنا، وعدم تحكيم عقولنا، ولا سَبْر ما خطّه العدو، الذي ما فتئ يطبق كل فكرة سطّرها منذ أدبيات هرتزل، مرورًا بكل أرطة من "أرَطَات الأشرار"، وحتى اليوم.
تُرجِم كتاب الشرق الأوسط الجديد لشمعون بيرس عام 1998، وفيه تفصيل طويل عن الخطط المراد تطبيقها لتشكيل "شرق أوسط جديد": سياسة، اقتصاد، سياحة، بيئة، مياه، زراعة، أمن، تعاون ودعم غربي، اندماج ثقافي، كسر الحواجز النفسية، الأصولية، الأيديولوجية، القومية... سوق مشترك شرقي كبير.
كل تلك التفصيلات، وأكثر، تتعلق بمصير القضية المركزية التي أصبحت — للأسف — ثانوية، مقارنة بأولوية "التهديد النووي"، وكأن كيانه ليس دولة نووية ولا يشكّل تهديدًا لأحد!
على سبيل المثال، يتحدث بيرس عن "تصفية مشاكل المنطقة"، والأخطر هو رؤيته للحل الناجع الوحيد للقضية الفلسطينية، حيث لا يرى حلًا لها إلا الكونفدرالية مع الأردن.
ومما يقوله:
"إسرائيل بحاجة إلى العمق الاستراتيجي، والفلسطينيون يطالبون بنفس الأرض التي تمثل هذا العمق. في أعين الإسرائيليين، فإن خريطة بلادهم تبدو غير طبيعية، الأمر الذي يرفضون معه إقامة دولة فلسطينية لأسباب أمنية، حتى وإن كانت الدولة المفترضة منزوعة السلاح."
ويتابع:
"الهيكل السياسي الذي يتناسب تمامًا مع إمكانيات وأوجه القصور في المنطقة، هو الكونفدرالية السياسية الأردنية–الفلسطينية، وترتيب بناء أردني–فلسطيني–إسرائيلي خاص بالعلاقات الاقتصادية، حيث سيكون المثلث الاقتصادي يمثل السقف، والإطار الثنائي يمثل الأرضية.
ستكون الكونفدرالية في شكلها الأكثر نضجًا بمثابة الحل الأمثل للأطراف الثلاثة. وليس أمام الأردنيين والفلسطينيين من خيار سوى التعايش المشترك، والهيكل السياسي الجديد يجب أن يعكس بأمانة الصورة الديمغرافية، والتي تحتم على الطرفين العيش تحت سقف واحد.
وعليه، ففي حالة قيام كونفدرالية أردنية–فلسطينية، فإن الجيش الكونفدرالي يمكن أن يتركّز شرق النهر، ونزع سلاح الضفة الغربية، مما يسمح لإسرائيل بإظهار رد فعل منطقي تجاه الادعاءات الإقليمية، لأن هذا الترتيب سيؤمّن لها العمق الاستراتيجي."
يزعم بيرس، كالواثق من قوله:
"إن العديد في الأردن والمعسكر الفلسطيني سيدعمون هذه الفكرة لأسباب عدة، ليس أقلها منع إقامة دولة في يهودا والسامرة وغزة. فدولة فلسطينية منفصلة — على حد زعمه — ستكون مصدر عدم ارتياح في الأردن، سواء ظهر ذلك بصورة علنية أو ظل كامنًا في النفوس، إضافة إلى المعارضة الشديدة لهذا الخيار داخل إسرائيل.
وعليه، ستكون الكونفدرالية أكثر قبولًا للإسرائيليين، وأكثر منطقية للأردنيين، وأكثر احتمالًا للنجاح للفلسطينيين، لما تحمله من مضامين إقليمية في الحل النهائي."
ويختم تنظيره بالقول:
"بعض الفلسطينيين يتفقون مع عرفات باعتبار الترتيب الكونفدرالي حلًا مقبولًا، إلا أن ذلك سيصبح ممكنًا فقط بعد إعلان الدولة الفلسطينية، ولو لخمس دقائق!"
أما عن قضية اللاجئين وحق العودة، فيضيف:
"العودة تعني تحويل اليهود إلى أقلية وتقويض الكيان. لذا، فالحل يكمن في تحسين ظروف المخيمات، مما يوجب على الأونروا استبدال استراتيجية المساعدات باستراتيجية إقامة بنية تحتية اقتصادية وإعادة تأهيل. وبعدئذٍ، لا يُحرَم فلسطينيو الشتات من الانتقال ودخول المنطقة الكونفدرالية مستقبلاً... وبذلك أيضًا سيتغيّر الوضع في لبنان."
ويكمل بن غوريون المقولة الصادمة:
"الأغبياء وحدهم هم الذين يفتشون عن المنطق في التاريخ. إن سياسة إسرائيل يجب أن تقوم على اعتبارات الأمن، ومساندة دولة كبرى؛ دولة تحقق مصالحها، وإسرائيل تحقق أهدافها."
...ولأن الخطط لا تموت،
ألا تخشَ هاى وطنك أيها العصفور؟!