د.ماجد الخواجا يكتب: التنظير السهل.. التنفيذ المستحيل

نبأ الأردن -
لا يعتبر بحثاً علمياً أي جهد أو دراسة، إذا لم يتم تقديم إضافة أو تعديل معرفة أو نفيها، أو إتاحة المجال لتساؤلات بحثية جديدة. لقد أثارت تصنيفات الجامعات الأردنية جدلاً واسعاً، على ما تدعى بمؤشرات النزاهة البحثية العلمية، حيث لم تظهر ضمن القوائم البيضاء التي تضم الجامعات ذات النزاهة البحثية أية جامعة أردنية، هنا لا بد أن نقف قليلاً لتأمل المشهد الجامعي والتعليم العالي في المحيط العربي، فهو ليس بأفضل حالٍ من الحالة الجامعية الأردنية، كما أن قيام مؤسسات خارجية بتقييم الوضع العام في دولة ما، وإصدار أحكام جزافية تعميمية تؤثر سلباً على سمعة ومكانة ومهابة الجامعات، هو سؤال ينبغي الالتفات له، حيث تعاني المجتمعات المتخلفة من ارتدادات متواصلة عبر سيل التصنيفات والتأشيرات على مجالٍ هنا ومجالٍ هناك. هناك عوامل عديدة تؤثر في مصداقية ومنهجية البحوث ومنها:
العوامل السياسية: يعتمد درجة الحرية البحثية والموضوعية والمنهجية على طبيعة النظام السياسي، فهناك أنظمة لا تتيح إلا البحث في مجالات محددة وربما تتطلب نتائج محددة مسبقاً، فالنظام السياسي الذي يتبنى توجهات سياسية محددة تستند على نشر مبادئ وأفكار وتوجهات ضيقة، لا يمكن فيها أن يكون البحث العلمي ذا قيمة ومصداقية علمية نتيجة التحيزات السياسية القبلية.
العوامل الاجتماعية: وتتمثل في العادات والتقاليد والأعراف وطبيعة التركيبة السكانية من حيث درجة المحافظة أو الانفتاح، هذه تشكل تحدياً بحثياً لا يستطيع الباحث أن يتجاوزه ليتناول المشكلة البحثية دون مراعاة هذه الجوانب.
العوامل الثقافية: وتتضمن جملة المعتقدات والأفكار والتفاصيل الحياتية للمجتمع، والتي تشكل تصورات المجتمع الثقافية، فلا يمكن لباحثٍ أن يتناول موضوعاً بحثياً يخالف أو يعارض ما يعتبر دارجاً ثقافياً في المجتمع.
العوامل الاقتصادية: إن إمكانيات الدول المتفاوتة في الأولويات والاحتياجات، تجعل من البحث العلمي شيئاً من الترف غير المجدي في ظل الركض اليومي خلف رغيف العيش كمثال. كما أن أولويات الدولة في توفير البنى التحتية الأساسية وشح الموارد، يقلل من شأن العناية والاهتمام البحثي لديها.
إن تحيزات الباحث أو المراكز البحثية أو الجهات المعنية بالبحث، تظهر في دوافع ومحفزات ومثبطات عديدة تواجه البحث العلمي الرصين وسط بيئة غير صديقة للبحث العلمي المنهجي الموضوعي، وسط بيئة ملوثة بتلوثات المجتمعات والأنظمة والجهات المانحة والممولة، قد تكون الغايات مادية بحتة، كالبحث عن الترقية العلمية، أو الاستفادة منه عن طريق بيعه لطلبة الجامعات والمعاهد التعليمية للحصول على الأموال. أو لغايات المشاركات في المؤتمرات والندوات التي تسمى بالعلمية، أو لمجرد الحصول على شهادة مشاركة أو سياحة المؤتمرات، وقد تكون مسيّسة أو موجهّة بحيث يتم إقرار النتائج البحثية المنشودة قبل المعالجة لمتغيرات البحث. هناك كثيراً من البحوث لا تلامس مشاكل المجتمع الحقيقية، فهي معنيّة بتلبية متطلبات المنهجية البحثية، دون أدنى اعتبار للقيمة العلمية المضافة من خلال النتائج التي يتم التوصل إليها.
لا توجد ذاكرة بحثية وطنية جامعة، جهود متناثرة ذات طابع فردي يستند الى رغبات وامكانات الباحث وليست بناء على تراكمية بحثية متسلسلة، فلا توجد جهة تستطيع أن تعطيك عديد البحوث وما نتج عنها في أي مجالٍ من المجالات بشكل كامل تام. بل لقد تشابهت عناوين ما تدعى بالمؤتمرات العلمية التي لم تعد تحمل من إسمها شيئاً، فلا هي بالتخصصية البحثية في مجال معرفي محدد، ولا هي بالكفاءة والحصافة البحثية خاصةً تلك التي تتصف بالسياحية أو ذات العائد الربحي، لا بل اقتحم الميدان سيل من المجلات المفترسة التجارية التي لا أولوية لديها إلا لمن يدفع ويلتزم بتسديد الرسوم في أوقاتها.
إن معظم البحوث عبارة عن جهودٍ فردية لا يربط بينها رابط، فالبيئة طاردة للبحث الرصين الجاد المكلف مادياً والذي يتطلب فضاءً متسّعاً للبحث وتوفير المال والدعم والتسهيلات والوقت الكافي لإجرائه بشكل سليم ودقيق. نعم هناك فجوة عميقة بين النتائج والتوصيات البحثية وبين الواقع المتشظّي البائس. هناك صعوبة في الوصول والتعامل مع مجتمع الدراسة، هناك ضغوط الوقت والظروف التي تجبر الباحث على سرعة الانتهاء من البحث، هناك تكرار كئيب للعناوين البحثية والمؤتمرات التي يتداعى إليها الباحثون والتي أصبحت تحمل ذات المحتوى والمضمون وإن اختلف العنوان. هناك عدم صرامة علمية مع الأبحاث ذات الصبغة المؤتمرية، وخاصةً التجارية منها المعنية بحصد أكبر عديد من المشاركين، أي علمية ومنهجية لمؤتمرات تضم مئات الباحثين بمئات العناوين البحثية في ذات المكان والزمان.