د. وليد العريض يكتب: بلا عنوان.....حكاية قصيدة ولوحة

نبأ الأردن -
في زمنٍ تتهاوى فيه الجغرافيا ويغدو الانتماء فعلاً مُعلّقًا بين القهر والذاكرة تولد هذه القصيدة كصرخة خافتة لا تسعى إلى التأثير بقدر ما تنزف لتفهم. ليست بلا عنوان ولا بيانًا سياسيًا ولا نشيدًا قوميًا بل نشيجٌ داخليّ يُقال من وراء حواجز الروح حيث تتقاطع هوية الإنسان مع عبثية التاريخ وينهار الفرق بين السؤال والدمعة.
تختار القصيدة ألا تعنون نفسها لأنها تعلم — كأبطالها — أن الأسماء والعناوين والأوطان لم تعُد تمنح الأمان بل أضحت قشورًا شكلية في عالم يربّي النكبات كما يربّي الأطفال. العنوان الغائب هو العنوان الحقيقي... فالضياع هنا ليس حالة فردية بل تجربة جماعية مكتملة تنوب فيها القصيدة عن جيلٍ تربّى على حكايات الخيمة وعلى خريطةٍ تُمحى كل صباح.
كل بيت فيها يحملُ وجعًا مضاعفًا لا لأن الكلمات دامية بل لأنها صادقة. فالقصيدة تكتب من مكانٍ لا يحتاج إلى ادّعاء المقاومة ولا إلى تسويق البطولة بل إلى لحظة تأملٍ صافية في جرحٍ مفتوحٍ منذ سبعة عقود.
وإن بدت بلا عنوان فإنها تُعنون قضيّةً لم يعد لها مكان واضح في أجندة العالم لكنها ما تزال تحيا بقوة الشعر ودفءِ أمّ تُقبّل جبهة ابنها قبل أن يعود للمجهول.
أنا بلا عنوان...
كأنّي ظلّ
نسيه الضوءُ عند الغروب
فمضى
وبقيتُ أبحثُ عنّي
في حوافّ الخريطة.
أنا من أرضٍ
تتوضأ بدموع الأمهات
وتُصلّي بخشوع الشهداء
لكن لا أحدَ يسمعُ آمين.
أنا من وطنٍ
حين يولد الطفلُ فيه
يُقصُّ له الحبلُ السريّ
وتُجهَّز حقيبة اللجوء.
أنا ابنُ فلسطين
ابنُ الزيتِ والدمعِ والزيتون
ابنُ الراياتِ التي ترفرفُ في الجنازات
والأناشيدِ التي تُغنّى للغائبين.
أنا ابنُ أمّةٍ
تحملُ في قلبها القرآنَ والإنجيل
وفي عيونها… وجعُ كلِّ نبي
لكنها تمضي متعبةً
تفتّشُ عن مَن يُنقذها منها!
أنا العربيّ
الذي علّموه أن يكون كريماً
فصارَ يقتسمُ الهواءَ مع الغريب
ويبتلعُ الغصّة بصمت
ويبتسمُ وهو يتلوّى جوعاً.
أنا الذي كلّما انتظر
سُرقت الساعات.
وكلّما حلم
قُصِفَ الحلم!
لا تسألني عن عنواني
عنواني مرّ من هنا
حين كانت الحياةُ تشبه الحياة
ثم اختفى.
أنا بلا عنوان
لكنني موجود
في قبلةٍ على جبينِ طفلٍ لاجئ
في دعاءِ أمٍّ قبلَ نومها
في دمعةٍ تسقطُ بصمت
من نشيدٍ وطني.
لوحة: الفنان محمد الدغليس
11-11-2023