د.تمارا الزريقات تكتب: "ثلاثية المجد الأردني"

{title}
نبأ الأردن -
نحتفل اليوم بثلاثية وطنية تختصر قرنًا من التاريخ والسيادة والنهضة. ففي حزيران، لا تأتي المناسبات فرادى؛ بل تمضي الأيام فيه كأنها تمرّ على خارطة الوطن بخفة ووقار، فتُعيد إلى الذاكرة محطات شكّلت في مضمونها منطلقًا لمسار طويل من البناء والنهضة والوعي والثبات.

ثلاثية جسدت أركان الرواية الوطنية المتكاملة، يتلاقى فيها عيد الجلوس الملكي بيوم الجيش، وتتقاطع الذكرى مع جذور الثورة العربية الكبرى؛ لدولة اختارت أن تبني نفسها بهدوء، وتحمي هويتها بثقة، وتدير مسيرتها بإرادة تستمد قوتها من عمق الفكرة ووضوح الاتجاه.

لقد مثّلت الثورة العربية الكبرى، التي انطلقت عام 1916، محطة مفصلية في التاريخ العربي المعاصر. ثورة آمن العرب جميعًا بأهدافها، وصمّموا على العمل من أجلها؛ قادها الشريف الحسين بن علي دفاعًا عن الهوية العربية، لتحرير الأرض والإنسان، والمناداة بالحرية والعدالة، وتحقيق الدولة العربية المستقلة، وإعادة السيادة العربية، والمحافظة على القومية العربية والدين الإسلامي.

وقد جاءت الثورة على أساس مبادئ واضحة ما زالت حاضرة في وجدان الدولة الأردنية ومؤسساتها، من أبرزها: الوحدة العربية، والمواطنة المسؤولة، واحترام الكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية. ولهذا، جسّدت الثورة الفعل النهضوي المنظم، الذي رسم ملامح المرحلة اللاحقة من بناء الدولة الأردنية الحديثة، حيث أن تأسيس إمارة شرق الأردن جاء امتدادًا للرؤية ولمشروع النهضة العربية الذي قاده الشريف الحسين بن علي.

ومن رحم الثورة، انبثق "الجيش العربي”، يحمل في عقيدته رسالة قومية تُجسد قيم الثورة العربية الكبرى، والدور الوطني والقومي للمؤسسة العسكرية في آن واحد، بقيادة هاشمية لم تنفصل يومًا عن دورها التاريخي؛ بل أرادت لجيشها أن يكون "جيشًا عربيًا”. هذا المسمى لم يكن أمرًا شكليًا أو عابرًا، بل تعبيرًا مباشرًا عن الارتباط الجوهري بين المؤسسة العسكرية ومبادئ الثورة العربية الكبرى، التي حملت منذ انطلاقتها مشروعًا نهضويًا عربيًا جامعًا، يدعو إلى وحدة الصف، والتحرر، وتحقيق العدالة، ويؤمن بأن للعرب دورًا ورسالة في صناعة مستقبلهم.

وقد حافظ الجيش العربي الأردني على رسالته الأصيلة، فكان دائمًا عنوان الانضباط، والالتزام، والجاهزية؛ وقدّم منذ نشأته وحتى اليوم تضحيات عظيمة دفاعًا عن الوطن والأمة، وسجّل حضوره في ساحات الكرامة والعطاء، سواء في الدفاع عن فلسطين، أو في أداء واجبات حفظ السلام الدولي، أو في حماية حدود الوطن، أو في تقديم العون الإنساني في الكوارث والأزمات.

كما كان الجيش العربي شريكًا حقيقيًا في التنمية الوطنية، من خلال دوره في التعليم، والصحة، والإغاثة، والخدمات، والاقتصاد، وقدراته التنظيمية والانضباطية العالية، التي انعكست على مستوى الأداء المؤسسي العام في الدولة.

أليست هذه الثلاثية التي نحتفي بها اليوم، هي نفسها التي منحت الأردن سِمته الفريدة في محيط مضطرب؟ ثورة تضيء الوعي، وجيش يُجسّد الفداء، وقيادة تحفظ التوازن والاتجاه، وترسّخ المشروع الوطني بوعي ومسؤولية.

تلتقي ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش مع عيد الجلوس الملكي في ثلاثية تربط بين التاريخ والواقع، بين الثورة التي أطلقت المشروع، والمؤسسة التي تحميه، والقيادة الحكيمة التي تديره وترعاه وتمضي به قدمًا.

فمنذ أن تولى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، واصل جلالته المسيرة التي بدأها الهاشميون، وكرّس مفهوم الدولة المنتجة، والمؤسسة الفاعلة، والمجتمع القادر على التجدد. فشهد الأردن نقلة نوعية في إدارة الشأن العام، وفي بناء نموذج متوازن للدولة الحديثة، قائم على احترام الدستور، وتكريس سيادة القانون، والارتقاء بالمؤسسات، وتحديث البُنى السياسية والاقتصادية والإدارية والتنموية.

في هذه المناسبات الوطنية الثلاث، نتعهد بالولاء للقيادة ونحتفي بالتاريخ، ونُقِرّ بدور الجيش، نحتفل لنؤكد: بأن الأردن سيبقى كما أراده أبناؤه الأوائل، وطنًا ثابتًا في موقعه، قويًا في منظومته، واضحًا في رسالته، مخلصًا لأمته، بقيادة هاشمية حكيمة، وجيش عربي وفيّ، وشعب واعٍ ومتماسك.

وكابنة لهذا الوطن، أجد في هذه المناسبات ما يعيد ترتيب الذاكرة الوطنية، ويؤكد أن بناء الدولة الأردنية لم يكن لحظة واحدة، بل هو مسار طويل من العمل الهادئ، والتضحيات الصادقة، والقرارات الحكيمة، التي ما زلنا نقطف ثمارها جيلاً بعد جيل.

نتضرع إلى الله أن يحفظ الأردن الغالي وقيادته الهاشمية الحكيمة المظفرة ، ويعزّ جيشه الباسل-درع الوطن وسيفه، عزّنا الذي لا يلين، وحصننا المنيع في وجه كل خطر، ويبارك بشعبه الوفي، وأن يبقى الأردن واحة عزّ وكرامة وأمن لا يغيب..

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير