د.وليد.العريض يكتب: رقصة المقاتلين: حين يشتبك الخرف مع الجنون فوق ركام الإمبراطورية

نبأ الأردن -
في ركن ما من مشهد كاريكاتوري يُمكنك أن ترى أميركا كحلبة مصارعة تتسع للجميع: عجوز يتعثر بلغة ماضيه وشَرِه ينهش الحاضر بأسنانه الذهبية وشعب نصفه يرتدي قبعة حمراء والنصف الآخر كمامة زرقاء. لا أحد يسمع أحداً، الجميع يصرخون والميكروفون الوحيد بيد خوارزمية فيسبوك.
أهلاً بكم في الولايات المقاتلة الأميركية.
مشهد أول: المقاتلان يصعدان إلى الحلبة
من اليمين ترامب: مقاتل شعبي يرتدي ربطة عنق حمراء تشبه سلكاً كهربائياً مكشوفاً. مهووس بالجدران و التهديدات والمرايا. يرى نفسه رسولاً للبسطاء ويغرد كأنه شاعر نبطي في سوق عكاظ السياسي.
من اليسار بايدن: محارب قديم يتقدم بخطى بطيئة، يبتسم دون سبب و يلوّح كثيراً ويبدو أحياناً كأنه يبحث عن نظارته في جيب غير موجود. لا يتذكر أسماء حلفائه لكنه يتذكر أنه يجب أن يبتسم.
ليست هذه معركة انتخابات بل مصارعة شيخوخة جماعية. حين يكون الخيار بين خرف ببطء وجنون بسرعة، فإن الناخب لا يختار الأفضل بل الأقل دواراً.
مشهد ثانٍ: دولة بلا ذاكرة و بلا مرآة
"من لا يقرأ تاريخه سيكتبه مهرّج"، قالها كاتب لاتيني ولم يكن يقصد أميركا… لكنه كان يقصدها.
دولة أنفقت تريليونات على الحروب لكنها عجزت عن إصلاح قطار واحد في نيوجيرسي. تطلق الأقمار الصناعية لمراقبة الصين لكن شوارع شيكاغو تُراقبها الجرذان. مجتمع يرى نفسه "نموذجاً" بينما يعجز عن حماية أطفاله من الرصاص في مدارسهم.
أميركا التي كانت تعلّم العالم كيفية بناء الأمم، تجد نفسها اليوم تدرس كوريا الجنوبية كيفية بناء جسور دون أن تنهار.
مشهد ثالث: الاقتصاد كمصارع متقاعد
تحت الضوء الكاشف يظهر الجسد الأميركي مثقلاً بالشحوم: ديون كالوحوش، تضخم يمشي على ساقين وأسهم تتراقص كما تتراقص أوراق الشجر في إعصار فلوريدا. الرأسمالية الأميركية أصبحت وحشاً يلتهم أبناءه، ثم يتظاهر بالحزن عليهم في نشرة التاسعة.
دعه يعمل و دعه يمر قالها السوق، فانتهى به المطاف يمر على جيب العامل ويدعوه للبطالة بروح رياضية.
مشهد رابع: الشارع يغلي… والجمهور يصفق.
الانقسام الأميركي لم يعد خلافاً سياسياً بل ديناً جديداً. من يعارضك لا يُناقش بل يُلغى. لا مناقشات بل تظاهرات. لا نقاشات بل حروب إعلامية. القبعات الحمراء تقاتل الرايات السوداء وشرطة العقل تغلق الأفواه.
أمة تحولت إلى قبائل شاشة. لا يعرف أحد أحداً، لكن الجميع يكرهون الجميع باحتراف. حتى الحب هناك بات مؤقتاً، مشروطاً وتحت رقابة الـGPS.
وختاما ، الإمبراطورية التي سقطت قبل أن تسقط.
التاريخ لا ينسخ نفسه حرفياً لكنه يُصيب بالدوار من فرط التكرار. أميركا اليوم تشبه روما قبل سقوطها: صخب في المدرجات قادة مرتبكون نخبة مترفة وشعب يتسلى وهو ينهار.
قد لا تُسقطها حرب نووية بل نكتة فاشلة. قد لا يُقسّمها عدو خارجي بل تغريدة داخلية.
فهل ستنهار الإمبراطورية على طريقة السامبا؟ أم كمن يختنق وهو يضحك؟ لا أحد يعلم. ما نعرفه فقط هو أن الراقصين على الحلبة لا يسمعون صوت الانهيار… إلا حين ينكسر الخشب تحت أقدامهم.