أ.د.زياد نواف الدويري يكتب: "في حضرة الجلوس... وطن يكتب ولاءه بالذهب"

نبأ الأردن -
لقد كان التاسع من حزيران، وما زال ، ذلك اليوم محطة مضيئة في تاريخ الدولة الأردنية الحديثة، ومناسبة لتأمل مسيرة وطن لم يعرف التوقف، ولم ينحنِ للتحديات، بل واجهها بعزم الملوك الهاشميين، وبإرادة شعب وفيّ، تواق للنهضة، حريص على كرامته، وواثق بقيادته.
منذ جلوس جلالته على العرش، انطلقت المملكة نحو آفاق جديدة من الإصلاح والتحديث، استنادًا إلى رؤية ملكية شاملة عمادها الإنسان الأردني، وهدفها بناء دولة المؤسسات والقانون، وتحصين الجبهة الداخلية، وتوسيع قاعدة المشاركة، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في كافة الميادين.
ولم تكن التحديات التي واجهت الأردن بالقليلة، فقد تعرّضت المنطقة من حوله إلى اضطرابات جسيمة، ومرّت عليه أزمات اقتصادية وسياسية، لكن بفضل حكمة جلالته، وثبات موقفه، وحُسن إدارته، بقي الأردن وطنًا آمنًا مستقرًا، عصيًّا على الانكسار، شامخًا بموقفه، مهابًا في محيطه.
لم يكن جلالة الملك عبد الله الثاني حاكمًا تقليديًا، بل كان دومًا قائدًا ميدانيًا، حريصًا على التواصل المباشر مع شعبه في البوادي، والقرى، والمدن، يشاركهم تفاصيلهم، يستمع إلى همومهم، ويعمل على تلبية تطلعاتهم، مؤمنًا بأن الأردن لا يُقاس بعدد سكانه أو حجم موارده، بل بقيمة إنسانه وعمق انتمائه.
وفي قلب الرؤية الملكية لمستقبل الوطن، كان التعليم والصحة حجرَي الأساس في مشروع النهضة الوطنية. فمنذ اعتلاء جلالة الملك عبد الله الثاني العرش، وجّه بوضوح نحو الاستثمار في الإنسان الأردني، باعتباره المورد الأهم، والثروة الأغلى، والطاقة التي لا تنضب. وفي هذا الإطار، شهد قطاع التعليم تطورات ملموسة على مستوى البنية التحتية، وتحديث المناهج، وتعزيز المهارات الرقمية، وتوسيع فرص التعليم العالي والتقني، لتلبية احتياجات سوق العمل وتنافسية الخريجين إقليميًا وعالميًا. وقد أطلقت المبادرات الملكية السامية العديد من البرامج الريادية، التي نقلت مفهوم التعليم إلى فضاءات أكثر تطورًا، وجعلت من المدرسة الأردنية بيئة تعليمية حديثة وآمنة وشاملة.
أما في قطاع الصحة، فقد أولى جلالته اهتمامًا خاصًا بتوسيع التغطية الصحية، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز قدرات المستشفيات الحكومية والخاصة، لا سيما في المناطق الطرفية والأقل حظًا. بتوجيه مباشر من جلالة الملك، وبتكامل مؤسساته. كما تم العمل على شمولية التأمين الصحي للمواطنين تدريجيًا، وتحديث نظم الإدارة الطبية، والارتقاء بالكفاءات البشرية العاملة في القطاع، تأكيدًا على حق المواطن الأردني في العلاج اللائق، والرعاية الكاملة، ضمن منظومة صحية عصرية.
إن التعليم والصحة لم يكونا مجرد خدمات في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، بل ركيزتين أساسيتين في بناء الإنسان الأردني القادر على الإبداع والمنافسة، والمحصّن بالعلم والعافية، في وطن يؤمن بأن الإنسان هو أساس النهضة ومصدر العزة.
أما في المحافل الدولية، فقد حمل جلالته صوت الأردن ومبادئه، مؤكدًا على الثوابت القومية في زمن التقلّبات. فكان أول المدافعين عن القضية الفلسطينية، ولم يتوانَ لحظة عن الدفاع عن القدس الشريف والمقدسات الإسلامية والمسيحية، انطلاقًا من الوصاية الهاشمية التاريخية، التي تشكّل مصدر فخر وواجب لا تراجع عنه.
وقد برز الأردن، بقيادة جلالته، كقوة ناعمة مؤثرة في السياسة الدولية، تحظى بالاحترام والثقة، ويُشار إليها كمنارة للاعتدال والتسامح والعقلانية في منطقة تعجّ بالصراعات.
وفي الجانب الداخلي، أطلق جلالته أوراقًا نقاشية جسّدت رؤيته العميقة للإصلاح السياسي والاجتماعي، ودفع باتجاه ترسيخ مبادئ العدالة، والشفافية، والمساءلة، وحرية التعبير. كما أولى اهتمامًا بالغًا لقطاع الشباب، وريادة الأعمال، والتكنولوجيا، والانتقال نحو الاقتصاد الرقمي، إيمانًا منه بأن المستقبل يُبنى على أكتاف الأجيال الصاعدة.
إنّ عيد الجلوس الملكي ليس مناسبة احتفالية عابرة، بل هو تجسيد لعلاقة عميقة بين القيادة والشعب، وتأكيد على تلاحم لا ينفصم بين الراية ومن يحملها، وبين من حملوا الوطن في قلوبهم، ويجددون في كل عام بيعتهم على السمع والطاعة، والإخلاص والانتماء.
وإذ تحلّ علينا هذه الذكرى الوطنية الغالية، فإننا نرفع أسمى آيات التهنئة والولاء إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، وندعو الله أن يحفظه ويمتّعه بموفور الصحة والعافية، وأن يوفقه لمواصلة مسيرة البناء والعطاء.
كما نرفع تحية محبة وفخر إلى سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، رمز الشباب الأردني الواعد، وراعي الغد، وحامل أمانة المستقبل.
وكل عام وجلالتكم بخير،
وكل عام والأردن، قيادة وشعبًا، بخير وأمنٍ وازدهار،
تحت ظلّ الراية الهاشمية المظفرة .
الأستاذ الدكتور زياد نواف الدويري عميد كلية طب في الجامعة الهاشمية