د.وليد العريض يكتب: وصفات على الهاوية: حين تتحوّل الأعشاب إلى قاتل صامت

نبأ الأردن -
قراءة ناقدة في ظاهرة إعلانات الطب الشعبي والعلاج بالأعشاب
سحر الشاشة... وأوهام الشفاء
في عصر باتت فيه الوصفة المجربة تنتشر كالنار في الهشيم، لم يعد غريبًا أن ترى إعلانًا يَعِدك بشفاء السرطان خلال أسبوع أو علاج الفشل الكلوي بكوب من مغلي الزعتر. آلاف الفيديوهات تجتاح المنصات الرقمية – تيك توك و يوتيوب و إنستغرام – تعرض وصفات سحرية لا سند لها سوى جملة: أنا جرّبتها ونجحت!
لكن ما بين هذه الوصفات الرنانة تختبئ كوارث صحية وأضرار لا تحصى طالت أطفالًا ونساءً ومرضى أبرياء انجرفوا خلف الوهم في غياب رقابة علمية أو مسؤولية أخلاقية.
من الشفاء الزائف... إلى المأساة
قصة الطفل في دبي
طفل مصاب بسرطان الدماغ أوقف علاجه الكيماوي بعد أن اقتنع والداه بوصفة عشبية رأوها على يوتيوب مدّعين أنها مضمونة. بعد أسابيع تدهورت حالته بشكل خطير وأكد الأطباء أن ما جرى كان أشبه بـانتحار طبي عن جهل.
مأساة سيدة بسبب وصفة سحرية
امرأة ثلاثينية في السعودية تناولت خلطات عشبية لعلاج ما وصفه أحد الدجالين بـالطاقة السلبية وانتهت في العناية المركزة بتسمّم حاد وفارقت الحياة بعد ثلاثة أيام من دخول المستشفى.
ضحايا الداد في المغرب
في إقليم تاونات إذ لقيت طفلتان مصرعهما وتسمم آخرون بعد تناول عشبة شديدة السمّية ضمن وصفة شعبية. لم تكن الأعشاب مراقبة ولا كان من وصفها مؤهّلًا طبيًا.
لغة الخرافة... تقنع وتُضلل
هؤلاء المروّجون لا يستخدمون العلم بل العاطفة ولا يقنعون بالعقل بل بالخرافة. يعتمدون أساليب مثل:
اللغة المؤامراتية: شركات الأدوية تخفي الحقيقة… نحن نكشفها لك!
تجارب شخصية مزعومة: شفاني الله بها… وأنا كنت على وشك الموت.
استخدام الرموز الدينية والشعبية: العسل الحبة السوداء و زيت الزيتون مع ربطها بقصص إعجازية مضللة.
والنتيجة؟ انتشار مفزع لثقافة اشرب وادعُ بدلًا من افحص وتعالج.
الطبيعة ليست دومًا بريئة
رغم الاعتقاد الشائع بأن كل ما هو طبيعي آمن تؤكد الدراسات عكس ذلك:
بعض الأعشاب تتفاعل سلبًا مع أدوية مزمنة مثل الزنجبيل مع مميعات الدم.
أعشاب كثيرة ملوثة بالمعادن الثقيلة أو الجراثيم نتيجة التخزين السيئ.
الجرعات غير المحسوبة قد تضر بالكلى والكبد أو تؤدي لحساسية قاتلة.
من المسؤول؟ سؤال بلا جواب
الخلل الأكبر هو غياب الرقابة المنظمة. في بعض الدول العربية، لا توجد جهة واحدة مسؤولة عن مراقبة هذه الوصفات أو الفيديوهات وتضيع المسؤولية بين وزارات الصحة والبلديات وهيئات الإعلام. وحتى عند وقوع الضرر نادرًا ما يُحاسب المروّج أو يُحذّر الجمهور رسميًا.
ما العمل؟ خطوات ضرورية قبل أن نفقد المزيد
* التوعية المجتمعية العلمية: بمشاركة الأطباء ووسائل الإعلام لكشف زيف تلك الادعاءات.
** تشريع واضح وصارم: لمحاسبة كل من يروّج وصفة دون ترخيص طبي.
*** منع الإعلان غير المرخّص: وإلزام أي وصفة بعرض موافقة جهة صحية رسمية.
**** مشاركة قصص الضحايا: كي يدرك الناس أن الضرر ليس احتمالًا... بل واقع يتكرر.
وختاما إن الأعشاب لا تُدان... بل الجهل بها
و الطب الشعبي له مكانته والطب الحديث لا يُنكر دور الأعشاب المدروسة علميًا. لكن ما يجري اليوم ليس طبًا ولا شعبًا بل فوضى إعلامية تسوّق الوهم وتُهدد الأرواح. المطلوب ليس نبذ الأعشاب بل فهمها علميًا وتنظيم استخدامها ورفض كل من يستغلها لبيع الأمل المسموم.
8-6-2025