د. وليد العريض يكتب: عيد الأضحى بين قداسة الشعيرة وفوضى الذبيحة: من يُحاسب من؟

{title}
نبأ الأردن -
لا يختلف اثنان على أن عيد الأضحى المبارك هو أحد أعظم المناسبات الدينية التي يتجلّى فيها القرب من الله تعالى عبر شعيرة الأضحية، إحياءً لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وتجديدًا لمعاني الرحمة والتكافل والعطاء، لا سيما حين تُوزّع لحوم الأضاحي على الفقراء والمحتاجين، سواء داخل المملكة أو خارجها، في فلسطين الجريحة أو غيرها من مناطق النكبات.
إنه موسم الرحمة، ومهرجان إنساني لا يتكرّر إلا مرة واحدة في العام، يحمل معه بركات العطاء وفرحة الطاعة، ودفء الشعور بالمسؤولية الاجتماعية.
لكن، بكل أسف، نشهد في السنوات الأخيرة ظاهرة سلبية تتكرّر كل عام، خاصة في المدن الأردنية الصغيرة، وهي تحوُّل بعض الأحياء السكنية إلى ما يشبه "الزرائب المؤقتة"، قبل العيد بأيام وطوال مدته. إذ تنتشر حظائر الأغنام أمام الملاحم، وفي الشوارع، وعلى الأرصفة، دون أدنى تنظيم أو رقابة صحية، في مشهد لا يليق لا بالمناسبة، ولا بالمدنية، ولا بالإنسان.
حظائر عشوائية وروائح لا تُطاق
قبل العيد بيومين أو ثلاثة، وأحيانًا لأسبوع كامل، تبدأ الحظائر بالظهور في قلب الأحياء السكنية. تمتدّ على الأرصفة، تُعيق حركة المارة، وتُطلق روائح لا تُطاق، ناهيك عن النفايات الحيوانية التي تُخلّفها، وصوت الأغنام الذي لا ينقطع ليلًا ونهارًا.
ثم تأتي الطامة الكبرى يوم العيد، حين يبدأ الذبح العشوائي في الشوارع، أمام المحلات، وأحيانًا داخل البنايات السكنية، دون أي رقابة صحية، أو إشراف بيطري، أو شروط سلامة بيئية.
هكذا تتحوّل الشعيرة المقدّسة إلى فوضى بصرية وصحية وبيئية، تزعج المواطنين، وتسيء لصورة الأعياد في وجدان الأطفال، وتشكّل خطرًا على الصحة العامة.
من المسؤول؟ سؤال لا يجد جوابًا
السؤال المحوري الذي يتردّد في ذهن كل مواطن غيور: من المسؤول عن هذه الفوضى السنوية؟
هل هي البلديات التي تغضّ الطرف عن انتشار الحظائر داخل الأحياء السكنية؟
أم وزارة الزراعة التي لا تراقب بجدية تداول وتخزين الأغنام؟
أم وزارة الصحة الغائبة عن مشهد الذبح غير المراقب؟
أم وزارة البيئة التي لا تتحرّك رغم تلوّث الهواء والماء؟
أم مؤسسة الغذاء والدواء التي لا نراها إلا في حملات موسمية على المطاعم؟
الحقيقة المؤلمة أن الجميع مسؤول، والجميع يتهرّب، بينما المواطن وحده يدفع ثمن هذه الفوضى سنويًا.
نعم للأرزاق، لا للفوضى
لا يُفهم من هذا النقد أننا نحارب أرزاق الناس.
لا نُهاجم الجزارين، ولا نتهم بائعي الأغنام، ولا نقلّل من فرحة الناس في عيدهم.
لكننا نطالب بالتنظيم، وبالاحترام، وبتطبيق القانون، بما يضمن كرامة المواطن، ونظافة المدينة، وقداسة الشعيرة.
لماذا لا تُخصّص البلديات ساحات رسمية للحظائر خارج المناطق السكنية؟
لماذا لا يُلزم الجميع بالذبح داخل المسالخ المرخّصة؟
لماذا لا تُنشأ أسواق أضاحي مركزية، تحت رقابة بيطرية وصحية واضحة؟
شعيرة عظيمة... لا تستحق هذا المشهد الفوضوي

إن الأضحية ليست فقط تقرّبًا من الله، بل هي قيمة حضارية، وسلوك اجتماعي راقٍ، يجب أن يُمارس في بيئة نظيفة، وباحترام للآخر، وبما يليق بمقام المناسبة.

ما نشهده اليوم من فوضى، وتلوّث، وتعدٍّ على الصحة العامة، لا علاقة له بجوهر الدين ولا بروح الشعيرة.
رسالة إلى أصحاب القرار
عيد الأضحى ليس "زريبة متنقّلة"، بل هو موسم عظيم يجب أن يُكرَّم لا أن يُشوَّه.
فهل تتحرك الجهات المعنية قبل العيد القادم؟
هل تُوضع خطة وطنية حقيقية تنظم هذه الظاهرة؟
أم نكتفي، كالعادة، بتقارير بيروقراطية تتحدث عن "نجاح الخطة" بينما يطفو الدم في الأزقة، وتتطاير الروائح الكريهة في الهواء، ويقف الطفل مذهولًا أمام مشهد الذبح في مدخل بيته؟
إننا ننتظر إجابة... لا تقريرًا.

5-6-2025
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير