ميسر السردية تكتب : وعود عرقوب

نبأ الأردن -
أقول هذا للتاريخ: لقد أراد الأمير عبدالله أن يستثمر ما قدمه الأردن في سبيل تحقيق أهداف وطنية كبرى، وعلى رأسها قضية سوريا الكبرى، وتوحيد العراق والأردن. كان قد أعلن الحرب على ألمانيا، وشارك في إحباط انقلاب رشيد عالي الكيلاني في العراق، ووقف إلى جانب الديغوليين في محاربة حكومة قوات فيشي في سوريا. وعلى إثر ذلك، طالب الأمير البريطانيين بالوفاء بوعودهم بمنح الاستقلال وتحقيق مشروع سوريا الكبرى.
لكن، وكما هي عادة الإنجليز، كانت وعودهم "وعود عرقوب".
وتحت ضغط الشارع والمطالب الوطنية، ذهب إبراهيم هاشم عام 1946 إلى لندن، للتفاوض مع وزير خارجية بريطانيا، إرنست بيفن.
غير أن كلمة "تفاوض" هنا هي كلمة مجازية. فالبلدان الضعيفة حين تتعامل مع القوى العظمى لا تجري مفاوضات حقيقية، بل تُفرض عليها مشروعات جاهزة، وما عليها إلا القبول بها كما هي، دون تعديل أو تغيير. هكذا كان الحال منذ القدم، ولا يزال حتى اليوم؛ فالدولة الصغيرة لا تتفاوض، بل تطلب الزاد والحماية.
عاد إبراهيم هاشم ببعض التعديلات، كان من بينها نيل حق التمثيل القنصلي في بعض البلاد العربية. وكان يحمل رسالة من بيفن إلى الأمير عبدالله، يثني فيها على كفاءته، قائلاً: "لقد فاوضت رجالاً كثيرين، ولم أرَ شخصًا كفؤًا، قديرًا، ومسيطرًا على الموقف مثل إبراهيم هاشم".
أما إبراهيم هاشم، فعندما سُئل عمّا عاد به من لندن، قال:
"لقيت الطبخة مطبوخة، سكبوا في هالصحن، فالذي سكبوه لي جئت به."
— من مذكرات سليمان النابلسي، صفحة 115.
*السؤال الذي يطرح نفسه: هل يختلف تفاوض العرب اليوم، عندما نسمع المفاوض" الفلاني" مع دول الغرب على أي شيء، ولو كان اتفاقية صغيرة، عمّا كان عليه الوضع قبل أكثر من ثمانية عقود؟