محمد الخطيب يكتب: الانطباع أقوى من الحقيقة

{title}
نبأ الأردن -
لفت انتباهي في منتدى تواصل استخدام سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني لعبارة عميقة ومعبّرة: "الانطباع أقوى من الحقيقة."

قد تبدو هذه الجملة بسيطة للوهلة الأولى، لكنها تختزل واقعًا نعيشه جميعًا، أفرادًا ومؤسسات ودولًا، في عصر تسوده الصورة، ويتحكم فيه الانطباع الأول.

في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتزاحم المعلومات، لم تعد الحقيقة وحدها كافية لصناعة التأثير أو كسب القبول. الحقيقة تحتاج إلى تفسير، إلى تفصيل، وربما إلى وقت.

أما الانطباع... فهو لحظة. لكنه لحظة تصنع الحكم، وتُكوّن الرأي، وتُحدد الاتجاه.

بين الحقيقة والانطباع

الحقيقة تبني الثقة، لكنها لا تضمن التأثير.
الانطباع قد لا يكون دقيقًا، لكنه يُحدد القرار.
وكم من مشروع نال القبول من أول عرض، ليس لأنه الأفضل، بل لأنه الأذكى في تقديم نفسه.
وكم من فكرة رُفضت رغم عمقها، لأن الانطباع المسبق عنها كان سلبيًا.

هذه المفارقة ليست ظاهرة عابرة، بل أصبحت جزءًا من طريقة تفكير العصر.

في زمن السرعة والصورة

نعيش اليوم في بيئة إعلامية بصرية، لا تُنصت كثيرًا للتفاصيل، لكنها تتفاعل فورًا مع أول صورة، أول كلمة، أول نغمة.
وهنا، تتجلّى قوة الانطباع، الذي أصبح عاملًا حاسمًا في تشكيل المواقف، وصناعة التقدير، بل وحتى اتخاذ القرارات.

إن الدول التي تُتقن رواية قصتها، وتصنع لها صورة ذهنية قوية، تستطيع أن تتجاوز تحديات الواقع.
والأفراد الذين يعرفون كيف يُقدّمون أنفسهم، هم من يحصلون على الفرص، حتى قبل أن يُثبتوا كفاءتهم بالأرقام.

المطلوب ليس تجميل الحقيقة، بل تقديمها بذكاء
القصد هنا ليس التزييف أو التضليل، بل الوعي بأهمية طريقة العرض، وفن التأثير، وقوة القالب الذي تُقدَّم من خلاله الحقيقة.
علينا أن نُتقن الفعل، نعم، لكن بنفس القدر، أن نُتقن كيف نظهره.
أن نروي قصتنا نحن، لا أن نتركها تُروى بلسان غيرنا.

عبارة سمو ولي العهد ليست مجرد تعليق على واقع، بل رؤية استراتيجية تُذكّرنا أن نكون واعين لصورتنا، وأن نبني انطباعنا كما نبني حقيقتنا.
لأننا اليوم، لا نُقاس فقط بما ننجزه، بل بكيف نُرى ونحن ننجز.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير