د.وليد العريض يكتب: مرآة الليل: وصايا البومة العجوز

نبأ الأردن -
في زمنٍ يضجّ بالضجيج تأتي الحكايات الرمزية لتهمس بما تعجز الصيحات عن قوله.
في هذا النص التأملي الذي تسرده بومة عجوز يعيد الكاتب بلغة مجازية شاعرية رسم أسئلة الإنسان الكبرى: عن الحب والحكمة والصمت وعن جدوى العيش بلا دهشة.
"مرآة الليل" ليست مجرد قصة طائر بل مرآة روحٍ نسَجت من العزلة فهمًا ومن التأمّل بصيرة ومن الصمت وصايا.
فلتنصتوا للبومة فقد ترى ما لا يُرى وتقول ما لا يُقال.
كنتُ بومةً شابةً تُلاحق البروق تظنُّ أنّ كلّ ومضةِ ضوءٍ بشارةُ مطرٍ وحبّ.
كم خدعتني السماء!
تعلّمتُ مع الوقت ألا أرجو من السحب وعدًا ولا أُسلّم قلبي للبرق اللامع
فالضوء لا يعني الحياة دومًا وقد يسطع ليحرق لا ليُنبت.
في ليالٍ كثيرة حدّثتُ القمر.
لا لأنني مجنونة بل لأن القمر لا يُقاطع.
همستُ له بأسراري تلك التي تخاف أن تفسد إن سمعها غرابٌ ثرثار.
ليس كل ما يُقال يُفهم وليس كل ما يُفهم يُناسب أن يُقال.
في كل كتمةٍ سرّ وفي كل صمتٍ نجاة.
رأيتُ طيورًا تطير و تبني أعشاشًاو تُطعم فراخًا ثم تموت دون أن تُحب.
وسألتُ نفسي: أيُّ حياةٍ هذه؟
هل مجرد الحركة تعني أننا نعيش؟
لا... لا بدّ من لحظةِ شوق من جنونٍ صغير من خطأ نرتكبه لأننا عشقنا.
من لم يُحب عاش كظلّه.
جربتُ أن أعيش بالعقل وحده.
رسمتُ دوائر المنطق ووضعتُ كل شعورٍ في قفص حجّتي.
لكنّي اختنقت.
الروح لا تُطعَم بالبرهان بل بالمعنى.
القلب لا يحيا بالقوانين بل بالدهشة.
وحين اختارني الحب
خلع عني ريش الكبرياء وتركني عاريةً إلا من الصدق.
أنا بومة... نعم
لكنني في ليالي الحكمة أكون أكثر من طائر:
أكون مرآةً لمن تاه
وظلًّا لأرواحٍ تبحث عن دفءٍ يشبه الضوء لا يُؤذي، ولا يُكذّب.
فاسمعني
إن مررتَ يومًا تحت شجرتي وكان الليلُ طويلًا
فاسأل الريح عني
ستُخبرك عن بومةٍ لم تنطق كثيرًا
لكنها كانت ترى كل شيء.
3-6-2025