د. وليد العريض يكتب: استقدام العاملات في الأردن: عبء الرسوم وتعثّر الإجراءات.. وصرخة كبار السن وذوي الإعاقة

نبأ الأردن -
عشرات الآلاف من الأسر الأردنية وعلى رأسها كبار السن وذوي الإعاقة تواجه معاناة يومية في تأمين الرعاية المنزلية التي باتت ضرورة حياتية لا غنى عنها. وللأسف فإن نظام استقدام العاملات في الأردن ما يزال يشكل عبئًا ماليًا وإجرائيًا ثقيلاً يفاقم الأزمة ولا يقدم حلولًا واقعية.
منذ سنوات ندفع مبلغ استقدام يصل إلى حوالي 2000 دينار ثم نصدم بدفع ما يقارب نصف هذا المبلغ رسوماً وضرائب حكومية مثل تصريح العمل وضريبة المبيعات التي لا تُفسّر لتصل الرسوم إلى 985 دينارًا في أحسن الأحوال. هنا يُطرح السؤال: هل من العدل أن يدفع للدولة نصف تكلفة خدمة ضرورية في حين يتكبد المواطن خسائر إضافية عند هروب العاملة أو افتعال المشاكل؟
هذه المشاكل ليست حكراً على المواطن العادي بل هي أكثر إيلامًا عندما يكون الكفيل من كبار السن ذوي الإعاقة أو المتقاعدين الذين لا يملكون سوى قوت يومهم المحدود. في ظل البطالة وانتشار الدخل المحدود، يتحمل الأبناء بدورهم ضغوطًا متزايدة مع غياب بدائل محلية فعّالة يمكن الاعتماد عليها.
ولعل الأسوأ أن النظام لا يسمح بتحويل الكفالة إلى كفيل آخر، ما يعني أن المواطن يدفع الرسوم مرتين أو أكثر إذا اضطر لاستقدام عاملة جديدة خلال أشهر قليلة بسبب هروب أو مشاكل العاملة السابقة. أما إجراءات الإعفاء للمتقاعدين وذوي الإعاقة من رسوم تصاريح العمل فقد ازدادت تعقيدًا وتباطؤًا بعد نقلها من وزارة الصحة إلى المجلس الأعلى لذوي الإعاقة لتستغرق أحيانًا أكثر من خمسة أشهر في حين كانت تستغرق سابقًا أسبوعًا واحدًا فقط.
في ضوء هذا الواقع أعلن القانون الجديد عن إدخال تأمين صحي يغطي 24 مستشفى خاص، مع تحمّل الكفيل 20% من قيمته. فكرة التأمين الصحية جيدة لتعزيز الحماية لكن المخاوف تبقى قائمة بشأن تلاعب شركات التأمين مما يستوجب رقابة صارمة لضمان حقوق المواطنين.
وهنا أوجه نداءً صريحًا إلى أصحاب القرار:
لماذا لا نسمح بنقل كفالة العاملة من كفيل إلى آخر كما هو معمول به في العديد من الدول؟ هذا من شأنه أن يقلل من خسائر المواطنين ويحد من ظاهرة الهروب.
لماذا لا تخفض الدولة نسبة الرسوم والضرائب على استقدام العاملات وتُبسّط الإجراءات الحكومية التي تتسبب في تكدس وتأخير يضر الجميع؟
لماذا تم تعقيد إجراءات الإعفاء لذوي الإعاقة وكبار السن وإطالة أمدها بشكل غير مبرر مما يحرمهم من الاستفادة الفعلية؟
لماذا لا يتم تعزيز الرقابة على شركات التأمين لمنع أي استغلال أو تلاعب على حساب المواطن؟
هل من الممكن توفير دعم مالي ميسر أو قروض لأصحاب الدخل المحدود من كبار السن وذوي الإعاقة لمساعدتهم في تحمل أعباء الاستقدام والرعاية؟
وهل يُمكن للحكومة الاستثمار في تدريب وتأهيل العمالة الوطنية وتوفير بدائل محلية قادرة على تقديم الرعاية المطلوبة بدلًا من الاعتماد شبه الكلي على العمالة الأجنبية؟
إن حياة آلاف الأردنيين خاصة كبار السن وذوي الإعاقة، لا تستحق أن تتحول إلى معاناة بسبب تعقيد أنظمة وإجراءات لا تخدم إلا مصالح الجهات المعنية على حساب المواطن البسيط.
وختاما أدعو الجهات المختصة إلى مراجعة شاملة وعاجلة لهذا النظام بإشراك المجتمع المدني، أصحاب المكاتب والكفلاء أنفسهم لوضع نظام أكثر إنصافًا وشفافية يراعي ظروف الجميع، ويحقق التوازن بين حقوق الدولة واحتياجات المواطنين.
هذه هي الدعوة التي تحملها كلمات هذا المقال صرخة لكل من يستطيع الإصلاح: لا تجعلوا النظام عقبة أمام حق الإنسان في الرعاية والكرامة.
31-5-2025