د.عبدالله محمد القضاه يكتب: المجلس الأعلى للإدارة المحلية واللامركزية

{title}
نبأ الأردن -
نتفق في الأردن على أهمية التوجه نحو تطبيق اللامركزية الإدارية وتعزيز الإدارة المحلية ، وذلك بهدف تعزيز المشاركة الشعبية مع ترشيد صنع القرار التنموي والخدمي على مستوى المحافظات والبلديات، بالشكل الذي يحقق التنمية المتوازنة بتوزيع المشاريع والخدمات بشكل عادل بين المحافظات، والحد من التفاوت التنموي، إضافة إلى تخفيف العبء عن الحكومة المركزية من خلال نقل بعض الصلاحيات والمهام إلى المستوى المحلي، مما يسمح للحكومة بالتركيز على القضايا الوطنية الكبرى.
غير أننا نختلف على كيفية تحقيق هذا التوجه، فقد تم تجريب عدة أساليب إدارية ؛ كان آخرها تطبيق قانون الإدارة المحلية رقم (22) لسنة 2021 والذي بنى هيكل الإدارة المحلية في الأردن وفق مستويين رئيسيين: مستوى المحافظة ومستوى البلدية، بالإضافة إلى الدور المحوري لوزارة الإدارة المحلية بصفتها الجهة الحكومية المركزية المسؤولة عن الإشراف العام على شؤون الإدارة المحلية في المملكة، ودعم البلديات ، ومتابعة تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بها، و تتولى الوزارة، بقيادة وزير الإدارة المحلية، دوراً تنسيقياً ورقابياً لضمان حسن سير العمل في الوحدات المحلية وتحقيق أهداف التنمية المحلية.
وبموجب القانون: يُشكل في كل محافظة مجلس يُسمى "مجلس المحافظة"، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري. يتألف المجلس بشكل أساسي من أعضاء منتخبين انتخاباً سرياً ومباشراً، بالإضافة إلى أعضاء معينين يمثلون جهات مختلفة (مثل رؤساء البلديات، ممثلي الغرف التجارية والصناعية، وغيرهم حسب ما يحدده القانون والنظام الصادر بموجبه). يتولى مجلس المحافظة إقرار المشاريع التنموية والخدمية والاستثمارية العائدة للمحافظة ومراقبة تنفيذها، وإقرار موازنة المحافظة، وغيرها من المهام المحددة في القانون بهدف تحقيق التنمية المستدامة على مستوى المحافظة.
كما يُشكل في كل محافظة مجلس تنفيذي برئاسة المحافظ وعضوية مديري الدوائر الرسمية في المحافظة. يتولى المجلس التنفيذي مساعدة مجلس المحافظة في أداء مهامه، وتنسيق عمل الدوائر الحكومية، وتنفيذ السياسات العامة للدولة على مستوى المحافظة، ويشكل في كل بلدية مجلس يُسمى "المجلس البلدي" (وفي أمانة عمان الكبرى يُسمى "مجلس أمانة عمان"). يتألف المجلس البلدي من رئيس وأعضاء منتخبين انتخاباً مباشراً. ويتولى مسؤولية تقديم الخدمات المحلية الأساسية للمواطنين ضمن حدود البلدية (مثل تنظيم المدن والأبنية، إدارة النفايات، إنشاء وصيانة الطرق المحلية والحدائق، وغيرها)، وإقرار موازنة البلدية، وفرض الرسوم البلدية وفقاً للقانون، وقد أجاز القانون إنشاء مجالس خدمات مشتركة بين البلديات المتجاورة لتقديم خدمات معينة بشكل مشترك، بهدف تحقيق الكفاءة وتوفير النفقات.
وبتحليل البناء الهيكلي للإدارة المحلية في المملكة يتضح جليا قصور التشريع من تحقيق التوجه الوطني نحو تحقيق اللامركزية اللإدارية وتعزيز الإدارة المحلية ، وقد أثبتت التجربة عدم قدرة مجالس المحافظات في الإنتقال نحو اللامركزية الفعلية وضعف البلديات من تحقيق مفهوم الإدارة المحلية والدور التنموي المنشود.
وحتى لانذهب بعيدا في التحليل ؛ فقد تعرضت بشيئ من التفصيل عبر المقال السابق، لأذهب لإقتراح أحد الحلول التي تسعى لتحقيق حوكمة فاعلة ورشاقة إدارية فاعلة في عمل الجهات المعنية بتمكين اللامركزية والادارة المحلية، حيث أقترح إنشاء مجلس أعلى للإدارة المحلية واللامركزية في الأردن بموجب القانون مع ضرورة الغاء مجالس المحافظات الحالية.
والمجلس المقترح ينشأ برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزير الإدارة المحلية نائبا للرئيس ، ووزراء الداخلية والمالية والتخطيط ، وعددا من المحافظين بما لايقل عن ثلاثة ومثلهم من رؤساء البلديات السابقين وعددا من الخبراء وممثلي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني،على أن يراعى تمثيل المرأة ضمن هذه المكونات، ويحدد القانون آلية إختيارهم ومدة عضويتهم.
أما بخصوص مهام وإختصاصات المجلس المقترح، فتشمل إجراء الدراسات وإقتراح السياسات التي تعزز اللامركزية والإدارة المحلية، ومن ذلك على سبيل المثال، لا الحصر، أعداد مصفوفة الصلاحيات المالية والإدارية التي يتوجب نقلها بشكل تدريجي من مركز الوزارات الى المجلس التنفيذي في المحافظات ، ومنها للبلديات ، إضافة إلى إقتراح التعديلات التشريعية التي تسهل إنتقال هذه الصلاحيات والموارد من المركز الى الإدارة المحلية.
كما يختص المجلس بمتابعة تنفيذ خطط التنمية المحلية والخدمية لكل محافظة بالتنسيق مع الحكومات المركزية والجهات التنفيذية ذات الصلة، وضمان التنسيق بين الجهات المعنية بهدف التركيز على الأولويات والميزة التنافسية لكل محافظة وتخصيص الموارد المالية المناسبة للمشاريع المحلية.
وحتى ينجح المجلس في تحقيق التنسيق بين جميع الجهات المعنية وتحديد الأدوار بالشكل الذي يضمن إنسيابية العمل من غير تداخل أو إزدواجية ، يتولى تقديم الدعم الفني والإداري من خلال أمانة عامة للمجلس تنشأ في وزارة الإدارة المحلية كجهة فنية مساندة له وتتبع مباشرة لوزير الإدارة المحلية مع مفوض التنمية والشراكة الذي تم إقتراحه في المقال السابق، ليشرف على وحدة التمية والشراكة في المحافظة، وسيكون هناك مهام تحدد بموجب القانون أو الأنظمة التي ستنبثق عنه، للأمانة العامة للمجلس ، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، "إعداد الدراسات، وتجميع البيانات من الوحدات المحلية وتحليلها، ثم رفعها إلى المجلس للنظر فيها واتخاذ القرارات اللازمة، والتنسيق بين المجالس المحلية والإدارة المركزية ومتابعة الجهات التنفيذية وغير ذلك".
أعتقد أن تشكيل هذا المجلس ، مع الأخذ بالتوصيات السابقة، سيشكل قفزة نوعية نحو لامركزية حقيقية، وإدارة محلية ممكنة؛ إذا تمَّ تفعيل آليات نقل الصلاحيات تدريجياً للوحدات الإدارية في المحافظات واللبلديات وبناء القدرات، و تعزيز الشراكات مع المجتمع المدني والمجالس المحلية لابتكار حلول تنموية (محليّة/بلدية) وإدارة المشاريع الصغيرة ، مع ضرورة فتح قنوات التواصل الإلكتروني بين "الأمانة العامة المقترحة" والبلديات عبر بوابات حكومية لإدارة مشاريع البلديات لرفع مستوى الشفافية والمساءلة.

* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير