د. وليد العريض يكتب: اللص الشريف والمغتصب الأنيق: حين يرتدي الاحتلال قفازاً أبيض ويسطو على الذهب

نبأ الأردن -
في بلاد الأعاجيب الممتدة بين النهر والبحر ثمة احتلال لا يشبه الاحتلالات ولصوص لا يشبهون اللصوص.
مستوطنون يهبطون من تلالهم، لا ليؤدوا طقوسًا دينية أو يزرعوا شجرة زيتون بل ليقتحموا محلات الصرافة والمجوهرات في مدن الضفة الغربية ينهبون منها ما شاءت لهم بطونهم ويغادرون تحت حماية رسمية من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
النتيجة؟
سرقة ما يزيد عن ١٤ مليون دينار أردني نحو ٢٠ مليون دولار في أيام معدودات.
لا أصوات إنذار.
لا ملاحقات.
لا أوامر اعتقال.
فقط حماية أمنية عالية الجودة... كأنّنا أمام شركة أمن خاصة اسمها: جيش الدفاع عن اللصوص المحدودة.
اللص الجديد: متدين مستوطن، وممول رسميًا
هذا المستوطن ليس سارقًا بالمعنى التقليدي. إنه يرتدي قميصًا أبيض يتلو بعض الآيات ويدخل المحل بوقار ثم يطلب من صاحب المحل، بلغة فصحى عبرية مشفوعة بالبندقية: افتح الخزنة.
هو لا ينهب، بل يمارس "حق العودة إلى الذهب" ويبدو أنه قرأ التوراة بشكل حرفي جدًا: أرض كنعان وما فيها لكم ميراثاً.
الذهب؟ داخل أرض كنعان.
الصرافة؟ على أرض الميعاد.
إذن هو في مهمة لاهوتية محمية بدبابة.
من جيش إلى حارس شخصي
لم يعد جيش الاحتلال جيشًا.
تحوّل إلى خدمة توصيل مسلحة:
يصطحب المستوطن يؤمن الطريق يغلق المدينة، يراقب بالكاميرات
ثم ينتظر في الخارج بينما تتم العملية المالية الروحية.
إنه أشبه بحارس شخصي لمليونير عصابة، ينتظر على الباب وهو يتثاءب،
لأنه يعرف: لا أحد سيحاسبه.
ولأن العالم مشغول
فقد يكون هذا الجندي قد قال لنفسه:
لم لا نحرس الذهب بدل أن نحرس الحدود؟ الذهب لا يقاوم والحدود مجرد رسم على الورق.
١٤ مليون دينار: حين يتحول الشعب إلى ماكينة صرافة
في هذا النمط الجديد من الاحتلال، الشعب الفلسطيني لم يعد فقط مغتصب الأرض بل هو أيضًا ممول مشروع الاستيطان.
يدفع من جيبه الخاص، من خزنة محله من عرق سنين غربته ثمن الرصاصة التي ستُطلق لاحقًا عليه.
هكذا تكتمل الحلقة الاقتصادية البديعة:
المواطن يكسب.
المستوطن ينهب.
الجيش يحرس
الدولة الديمقراطية تبتسم للعالم وتبيع نفسها ضحية أمنية.
يا له من نظام اقتصادي متكامل!
الاحتلال حين يتأنق
لم يعد الاحتلال بحاجة لهدم بيوت فوق رؤوس أصحابها أو اجتياح المدن ليلاً.
أصبح أنيقًا.
يرتدي قفازًا أبيض يدخل عبر الحواجز الرسمية
يسرق دون أن يكسر بابًا
ثم يخرج متبخترًا تحت غطاء "عملية أمنية نوعية
لا يُقال في الإعلام: مجزرة اقتصادية
بل يُقال:
إجراء احترازي لحماية المستوطنين من تهديد مالي محتمل!
السرقة تحوّلت إلى إجراء وقائي
والصراف الفلسطيني أصبح في عرفهم خلية نائمة!
العالم؟ أصم، أعمى وربما شريك
في مشهد موازٍ يظهر المسؤول الدولي الأنيق ليتحدث عن حل الدولتين.
والقنوات الغربية ترينا مشهدًا لمستوطن يرعى الأغنام ببراءة في أرض متنازع عليها.
ولا أحد يسأل:
هل الغنم هو الذي سرق الذهب؟
هل صاحب محل الصرافة كان مسلحًا؟
هل الفلسطيني شريك في ما جرى له؟
الجواب حاضر دومًا:
الفلسطيني هو المذنب الأبدي حتى لو سُرِق حتى لو قُتل حتى لو طُرد.
وختاما في بلاد يُنهب فيها الذهب باسم الأمن لا تنتظر عدالة من الذهب
نحن في زمن لم يعد فيه اللص يفرّ هاربًا بل يخرج من المحل بابتسامة وربما يكتب منشورًا على تويتر:
سرقناهم ونحن نرتّل التوراة، كم هذا رائع!
وفي المقابل يقف الفلسطيني المكلوم لا يبحث عن عدالة بل فقط عن تفسير:
كيف يمكن أن يُسرق ١٤ مليونًا دون طلقة واحدة،
في عالم يعرف كل شيء... ولا يريد أن يعرف شيئًا.
الاحتلال الحديث لا يُطلق النار دائمًا
أحيانًا يبتسم... ويسرق
29-5-2025.