موفق جباعتة يكتب: أطفال الشاشة... بين ضياع الطفولة وغياب الحضور

نبأ الأردن -
في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات جزءًا من أثاث كل بيت، لم تعد ضحكات الأطفال تملأ الأزقة، ولم يعد لصوت الكرة صدى على جدران الحارات. تلك المشاهد التي شكلت ذاكرة أجيالٍ كاملة، تتلاشى اليوم أمام ومضات الهواتف الذكية وأصوات الإشعارات. فالطفولة كما نعرفها، تُسحب بهدوء نحو عوالم افتراضية باردة، لا تعرف دفء العائلة ولا حرارة العلاقات الحقيقية.
لم يعد الطفل بحاجة إلى أصدقاء من حارته أو أن يقضي ساعاته في اللعب في الهواء الطلق. يكفيه الآن جهاز صغير يضع العالم بين يديه، يمنحه التسلية والمحادثات وحتى الخصوصية، في غياب شبه تام لرقابة الأسرة أو مشاركتها.
الهاتف، بالنسبة لكثير من الأطفال اليوم، ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبح الرفيق الأقرب، والمستشار، والمهرب من ضوضاء الحياة أو حتى صمت البيت. في المقابل، انشغل الآباء والأمهات بمسؤولياتهم اليومية، وتراجع حضورهم الحقيقي في حياة أبنائهم، ليُطرح السؤال المؤلم: هل ما زال أطفالنا يعيشون بيننا فعلًا، أم أنهم غارقون في عوالم رقمية لا نراها ولا نعرف عنها شيئًا؟
القلق لا يكمن فقط في المحتوى المسموم أو الوقت المهدور، بل في التبعات الخطيرة التي قد تصل إلى فقدان الأطفال أنفسهم. فكم من مأساة بدأت برسالة على تطبيق ما، وانتهت ببلاغ اختفاء أو ندم لا يُجدي؟ وكم من طفلٍ غادر منزله لملاحقة "تحدٍ إلكتروني" ولم يعد؟
المشكلة ليست في التكنولوجيا ذاتها، بل في طريقة استخدامها. الخطر الحقيقي ينبع من الغياب التام للرقابة، ومن تسليم الأطفال لهذه الأجهزة دون حوار، دون توجيه، ودون احتواء. وهنا، تتسع الفجوة بينهم وبين أسرهم، ليجد الطفل في هاتفه ملاذًا وعائلة بديلة على هيئة حسابات وهمية لا نعرف هويتها أو نواياها.
والأدهى من ذلك، أن بعض الأهالي ما زالوا يرون في الهاتف حلًّا سحريًا لإسكات أبنائهم وإشغالهم، تحت مبررات واهية مثل: "مشغول وما عم يزعج". لكن، هل حقًا يُعوّض الهاتف عن حضن أم، أو حوار أب، أو دفء عائلة؟ وهل صمت الطفل أمام الشاشة يعني راحة بال، أم بداية عزلة نفسية قد تنفجر لاحقًا؟
لقد حان الوقت لإعادة النظر. لنتوقف قليلاً ونسأل أنفسنا: هل نمنح أبناءنا ما يكفي من اهتمام؟ هل نصغي إليهم؟ نعرف مخاوفهم وطموحاتهم؟ أم أننا نغرق في توفير الأدوات وننسى التربية والمرافقة؟
الطفولة، إذا ضاعت، لا تُستعاد بسهولة. وأطفال اليوم هم رجال ونساء الغد، فإما أن نرعاهم بوعي ونكون حاضرين في تفاصيل حياتهم، أو نتركهم نهبًا لشاشات لا ترحم، وعوالم لا تغفر.
ويبقى السؤال الأهم معلقًا أمام كل بيت:
هل ما زلنا نربي أبناءنا بأيدينا وقلوبنا، أم أننا سلّمناهم بالكامل لتربية الشاشات؟