د.حسن براري يكتب : "أنسنة" النزوح

{title}
نبأ الأردن -
بداية، نسأل الله العلي القدير أن يعيد العدل والرحمة حيثما حل الظلم. ترددت قليلًا قبل أن أتناول هذه المأساة المؤلمة التي نشاهدها في أيامنا هذه، خشية أن أكون سببًا في زراعة اليأس في قلوب مؤمنة تصر على إنهاء المأساة أمس قبل اليوم.

تابعت المشاهد المروّعة التي وثقتها الصور والأصوات لوجوه منهكة تصطف في طوابير طويلة في انتظار شربة ماء أو فتات مما يجود به عالم بات يقبل بالجلاد حاكمًا. يا لها من مفارقة سوداء، يد تطعم وأخرى تطعن! إنها مفارقة مؤلمة تختزل مأساة أمة، أياد تقدم المساعدة فقط لتعمق الجراح، في مشهد تتلاشى فيه الإنسانية ويعاد تعريفها بأسوأ الصور الممكنة.

منظر الفلسطينيين هناك يدمي القلوب ويثير الشفقة، أطفال حرموا من طفولتهم، وكبار يعانون في معركة شاقة للحفاظ على ما تبقى من كرامة تُسلب مع كل لحظة. أما المؤسسة "الإنسانية" التي من المفترض أن تكون طوق نجاة، فقد أظهرت وجهًا آخر تمامًا. فهي أداة خفية توظف في دورة التهجير والمعاناة، تخدم أجندات لا تمت للإنسانية بصلة.

وفي الوقت نفسه، تخرج إسرائيل كالرابح الأكبر في هذه المعادلة القاتمة، تخفف عن نفسها الضغوط الدولية، تلتقط أنفاسها، وتواصل تنفيذ أهدافها الميدانية على الأرض دون عوائق تذكر. إنها لعبة قاسية تدار تحت أنظار عالم يتفرج بصمت، بينما تتراكم المآسي فوق أكتاف شعب يبحث عن بصيص أمل وسط الظلام.

بالمناسبة، أكتب هذه الكلمات وأنا أجلس في غرفة مكيفة، أحتسي فنحانًا من الكابتشينو، وثلاجتي ممتلئة بنعم الله. ربما هذا هو حال الكثير ممن يتعاطفون مع غزة من خارج فلسطين، نشعر بالحزن والأسى ونتحدث عن المأساة، لكننا نعيش في راحة لا يمكن مقارنتها بمعاناة أولئك الذين يعيشون تحت الحصار والقصف. إنه شعور بالعجز يرافقه امتنان مشوب بالمرارة، وكأننا نعتذر ضمنيًا عن رفاهيتنا التي أصبحت جزءًا من التناقض الكبير في هذه المأساة الإنسانية.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير