ميسر السردية تكتب: لستُ أدري

نبأ الأردن -
في الحرب العالمية الأولى،
قررت بريطانيا إطلاق حملة دعائية كبرى لدعم الحرب، وتم اعتماد إعلان انتشر كملصق في جميع الميادين العامة، شعبيًّا وبسيطًا ومحرجًا. يُصوِّر طفلًا صغيرًا يتساءل ببراءة من والده الجالس أمامه:
"ماذا كنتَ تفعل أثناء الحرب، يا بابا؟!"
كانت الرسالة موجَّهة مباشرة إلى الناس آنذاك:
ماذا ستقولون لأبنائكم عندما يكبرون، ويقرؤون التاريخ، ويطّلعون على ما جرى؟
لأولادكم الذين سيصبحون رجالًا ونساءً؟
شخصيًّا،
وقبل أن أعرف قصة هذا الإعلان، كنتُ في طفولتي أسأل جدّي وجدّتي السؤال ذاته، حين كانا يتحدثان عن الحروب والأزمات التي عاصراها.
فكيف سأُجيب، إن كتب الله لي عمرًا، ووُجِّه إليَّ ذاك السؤال يومًا؟
هل سأقول:
كنتُ أكتب منشورات، وأصلّي، وأُقيم الليل، وأدعو بالنصر للإخوة، ومهزومة نفسيًا في ذات الوقت.
أبكي، أغضب، أشتم، أتعاطف، أقرأ مقالات للكاتب فلان، وأستمع لتحليلات علّان...
حتى كفرتُ بالمعاهدات والمنظمات، والديمقراطيات، ووعّاظ السلاطين.
لم أُبالِ، كنتُ أُمارس حياتي الطبيعية، بما أن النار كانت تحرق بيت جاري، ولم تصل بعدُ إلى بيتي.
كنتُ أبثّ فيديوهات وأنا أقود سيارتي الفارهة،
لأُحدّث الناس عن روعة الصيف، وأهمية الرياضة الصباحية لحرق دهون البطن التي خلّفها علف الشتاء،
ومتابعة برامج الطبخ، وآخر أخبار الموضة والفن، وترتيبات مهرجان الحصاد...
وتغيير صورة بروفايلي على الفيسبوك، ونشر طلاّتي المُبهرة هنا وهناك.
كنتُ جبانة، خائفة، أبحث عن سلامتي ومصلحتي، أجدف حيث تضرب الموجة الأقوى.
ورسمتُ وشمًا على سمانة قدمي:
"الحياة حلوة... بس نفهمها!"
...
أليس هذا جهدًا أفخر به؟
لا أدري كيف سأردّ على أسئلة من سيصبحون رجالًا ونساءً،
بِمَ سأُحدّثهم عن هذه المحرقة التي تُبثّ مباشرة على الهواء؟
ومن أين سأبدأ؟
وكيف سأنظر في أعين هؤلاء؟!
أم أن السؤال الذي أخافه لن يُطرح أصلًا،
فأنا ضعيفة، مهزوزة، وغدة،
والأوغاد يتناسلون أوغادًا أيضًا.
سؤالٌ آخر:
هل سيسألني الله ؟! أم أنني ممن رُفع عنهم القلم؟!