د.حسن براري يكتب : من يمثل من ومن يمثل على من؟

نبأ الأردن -
كتَبَت غيرَ مرة، وعلى مدار أكثر من خمسة وعشرين عامًا، بأنني مع حق الإسلاميين في المشاركة السياسية، مع أنني لا أُمنحهم صوتي، لكنني حتمًا أجد صعوبة بالغة في منح صوتي لغيرهم. فالنخب السياسية المحسوبة على الدولة لم تقدّم شيئًا، وجلُّهم لا يدافعون عن الدولة، ولا تسمع بهم إلا عند الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة أو تلك، أو عند تشكيل مجلس الأعيان، أو ربما مجالس الإدارات. وجلهم اختار التواري خلف أسوار مكاتبهم أو التمدد على أرائك منازلهم، يراقبون المشهد من بعيد كمن ينتظر موسمًا آخر لجني الثمار دون أن يبذر بذرة واحدة. أما المسؤولية، فهي، على ما يبدو، فضيلة عفا عليها الزمن في قاموسهم، حيث فضّلوا لعب دور المتفرج بدلاً من تحمل عبء المشهد، تاركين الوطن وحيدًا يواجه أزماته بموارد محدودة وحماس شعبي لا يجد من يقوده. فهنيئًا لهم بنصيبهم من غنائم الغياب!
وهذا يقودني إلى مسألة مختلفة وإن كانت متصلة. في الانتخابات النيابية الأخيرة، قرر نحو 70% ممن يحق لهم التصويت أن أفضل طريقة للتعبير عن رأيهم هي بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات وبالتالي استنكفوا. وبتقديري أن أحدًا من الأحزاب الممثلة بالمجلس لا يمكن أن يدعي بأنه يمثل الشعب الأردن، وانهم جميعا مع نواب الدوائر يمثلون فقط 30% ممن يحق لهم التصويت.
تعتبر نسبة المشاركة في الانتخابات مؤشرًا هامًا على مدى تمثيلية المجلس النيابي، ولكنها ليست العامل الوحيد الذي يحدد شرعية تمثيله. فإذا كانت نسبة المشاركة منخفضة جدًا، مثل 30%، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى التساؤل عن مدى تمثيل المجلس للإرادة الشعبية، ولكن الشرعية القانونية تظل قائمة إذا تم إجراء الانتخابات وفق القوانين والإجراءات المعتمدة. في الحالة الأردنية لا يمكن انكار الشرعية القانونية لمجلس النواب لكنه لا يمثل الإرادة الشعبية بكل تأكيد. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الحكومات تمثل الإرادة الشعبية. وعليه، فإن من يدعي أنه يمثل الجميع إنما يمارس نوعًا من "الاختطاف السياسي" للرأي العام، أو بالأحرى "التمثيل عليه".
وعندما نحلل هذه النسبة القليلة التي شاركت، نجد أن الذين صوتوا للاتجاه الإسلامي، وأوصلوا حزب جبهة العمل الإسلامي إلى تحقيق نسبة ملحوظة من المقاعد، هم تقريبًا جميع مصوتي الحركة الإسلامية، أي تقريبا أكثر من 90% من مناصريهم. ولو ارتفعت نسبة المشاركة العامة إلى 65%، فإن ذلك كان سيقلل من نسبة الإسلاميين بين الناخبين، وبالتالي عدد مقاعدهم في البرلمان. وهكذا نستنتج أن الإسلاميين هم أكبر المستفيدين من عزوف الأردنيين عن الانتخابات. باختصار، الصمت الانتخابي يغذي شعبيتهم.
لكن، رغم هذا، يجب أن نعترف أن الأداء السياسي لنواب جبهة العمل الإسلامي أفضل بكثير من الأحزاب الأخرى ونواب الدوائر المستقلين الذين يبدو أن بعضهم وصل إلى البرلمان عن طريق الصدفة. هؤلاء النواب المستقلون غالبًا لا يملكون برنامج عمل حقيقي، ولا يستطيعون منافسة شعبوية حزب الجبهة. مثال على ذلك، عندما طالب نواب الجبهة بعفو عام في يوم الاستقلال، وهو مطلب شعبي بامتياز، وجد النواب الآخرون أنفسهم في موقف محرج للغاية، وكأنهم لا يعرفون ما الذي يفعلونه.
في ظل هذا المشهد، كان المنظر الأكثر صدقًا هو الأردنيين يجوبون الشوارع احتفالًا بيوم الاستقلال. هؤلاء الناس، بحركتهم العفوية، أرسلوا رسالة واضحة تفيد بتمسكهم بالدولة كمنجز وكقيمة عليا لا يدانيها أي خطاب شعبوي بصرف النظر عن مصدره. فالأردن بالنسبة لهم ليس مجرد دولة عادية، بل قصة نجاح يجب الحفاظ عليها. ربما على السياسيين أن ينزلوا إلى الشارع لعلهم يتعلمون الدرس الحقيقي: لا أحد يمثل الشارع إلا الشارع نفسه.