د. وليد العريض يكتب: استقلال الأردن بين مجد الدولة وجراح الأمة وطموحات الغد

نبأ الأردن -
في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال الأردن نُحيي ذكرى المجد الذي صنعته إرادة الأحرار ونسترجع مسيرة شعبٍ صمد وبنى وتحدى العوائق. ولكننا لا نستطيع أن نغفل الجراح العميقة التي ما زالت تنزف والطموحات الكبرى التي لم تكتمل والتحديات التي ما زالت تنتصب في وجه أردن نريده أكثر عدالة أكثر كرامة وأكثر استقلالًا.
لقد خرج الأردن من قرن من الاحتلال والانتداب البريطاني واستقبلته الهاشمية من رحم النهضة العربية التي وإن أُجهض مشروعها الوحدوي فقد زرعت في وجدان الأمة معاني الشرف والحرية والعروبة.
وُلد الأردن من رماد الإمبراطورية العثمانية ومن خذلان الحلفاء لكنه ظل يحمل شعلة العروبة داعمًا لفلسطين، مستضيفًا لأشقاءٍ شردتهم الحروب ومقاتلًا بشعبه وجيشه على أسوار القدس والكرامة.
وفي الاستقلال تبقى في النفس غصة وجدانيًة ما دامت فلسطين تحت الاحتلال وما دام العدو الصهيوني يقتل ويهدم ويُشرّد، دون رادع مستغلًا معاهدات السلام كستار للتوسع والبطش.
وفي استقلالنا نؤكد على حق الشقيق الفلسطيني بالمقاومة كحق مشروع ضد الاحتلال، وحقه في الدولة المستقلة، ولا نهادن في موقفنا الرافض للإبادة، وفي نبذ من يغتصب الأرض والمقدسات.
واستقلالنا السياسي يؤكد على أننا دولة مدنية تُدار بقوانين تحكم الجميع لا أشخاص يتحكمون بالقانون، فالواسطة ليست حقًا، والمحسوبية ليست شطارة، والعدالة لا تعرف ابن فلان ولا قريب علّان.
واستقلالنا الاقتصادي هو الطريق نحو تحويل الأردن إلى دولة منتجة مزدهرة صناعيًا وسياحيًا واقتصاديًا.
لماذا لا نكون سنغافورة العرب؟ لماذا نبقى ننتظر المعونة بدل أن نُصدّر النموذج؟
واستقلالنا القضائي ما يؤكد على تحرير العدالة من أي تدخل سياسي أو أمني أو عشائري، فلا أحد فوق القانون، لا كبير ولا صغير، وأما محاربة الفساد، فإنها تبدأ من أكبر فاسد مهما علا شأنه، وصولاً إلى "ذيله"، وتُثبتها المحاكم لا خطب الجمعة.
والأهم: فلْتصمت أصوات العنصرية والطائفية والفئوية.
لقد تقيأنا من فيديوهات ومنشورات تفيض كراهية وتُصنف الناس حسب منابتهم وأصولهم.
لا شمال ولا جنوب، لا فلاح ولا بدوي، فنحن أبناء وطنٍ واحد دمه ممزوج في جنين والقدس، في الكرامة والسلط في الكرك ونابلس.
لقد نسي كثيرون أن الأردن وُلد من رحم النهضة لا من رحم الفرقة، وأن حكومات الإمارة ضمّت أحرار العرب من سوريا والحجاز والعراق وفلسطين وأن مشروع الملك المؤسس كان وحدة سوريا الكبرى، وبات الأردن عنوان هذه الوحدة، حيث يعلو فيه شأن الإنسان وتُصان فيه الحريات وتُبنى فيه دولة العدالة .. أردناً يثبت على المبادئ. أردنًا يقف بشجاعة مع فلسطين ومع كل قضايا الأمة، ومع كرامة شعبه ومع تطلعات شبابه.
حمى الله الأردن من كل شر
وحمى فلسطين من كل احتلال
ولنجعل من الربع الثاني من هذا القرن انطلاقة لأردن النهضة والعدالة والوحدة.
الأردن وطن الجميع… وسيبقى الشعار الذي نعيشه لا الذي نردده فقط