د.حسن براري يكتب : السلام الدافئ والبارد؟

نبأ الأردن -
عند توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994، طُرحت فكرة أشبه بالسراب في صحراء اللا منطق.
شمعون بيريس، صاحب فكرة وكتاب "الشرق الأوسط الجديد"، ومعه إسحاق رابين، تحدثا عن سلام دافئ بين الأردن ودولة الكيان. وتعهد كلاهما بتقديم نموذج مختلف عن السلام مع مصر، حيث أكدا أن السلام مع الأردن ينبغي أن يكون "دافئًا"
هذه الفكرة وما رافقها من جدل صُنعت على طاولات القادة، وليس بقلوب الشعوب. فالأردنيون، منذ نشأتهم، لم ينظروا لدولة الكيان إلا كعدو، ربما حتى قبل أن تكون عدوًا لفلسطين، وهل نسينا تل الثعالب والشهيد مفلح كايد العبيدات ومن معه من أبطال؟!! بالمناسبة، في مناهجنا الدراسية لا نشير إلى نضالات الأردنيين الحقيقية ضد المشروع الصهيوني. ومع ذلك، فذاكرة الأردني الجمعيّة تحفظ صورًا لا تُمحى من الصراعات والاعتداءات، تجعل من الكيان خصمًا متربصًا على الحدود.
كلما سمعنا حديث الإسرائيليين عن "السلام الدافئ"، لا يسعنا إلا أن نسترجع أبيات الشاعر أحمد شوقي، عندما قال:
"برز الثعلب يومًا في لباس الواعظين
فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرين"
وكأن شوقي، برؤية استشرافية، كان يصف هذه اللحظة. فالثعلب الذي يخفي أنيابه خلف قناع من الوداعة لا يثير سوى الريبة في القلوب، فحديثهم عن السلام ليس سوى سحابة دخان كثيفة تخفي خلفها أطماعًا تحدث عنها جابوتنسكي، وخططًا مدروسة تهدف إلى زرع الانقسام والهيمنة. والراهن أنهم يحدثوننا عن دفء السلام الذي ليس سوى شعلة تضيء طريقهم نحو تحقيق أهدافهم، وتُحرق ما تبقى من ثقة الشعوب بهم.
أما نحن، فعلينا أن نقرأ التاريخ جيدًا، وأن نُبصر ما وراء الكلمات المعسولة. وكما رفض الثعلب نفسه في القصيدة أن ينخدع بالمظاهر، علينا أن نرفض الانجرار خلف سلامٍ وُلد ميتًا. سلام يقدّمونه بيد، ويخفون خنجرهم خلف ظهورهم بالأخرى.