د. تمارا الزريقات تكتب: الاستقلال الأردني: مسيرة شرعية متجددة في ظل قيادة حكيمة

{title}
نبأ الأردن -
وإنه لمناسبة ذكرى استقلال بلادنا الأردنية وإعلانها دولة مستقلة استقلالاً تاماً على الأساس الملكي النيابي، يسرّنا أن نبادل شعبنا العزيز شعور الغبطة، وأن نعرب عن شكرنا لجهاده المثمر، واغتباطنا بوفائه وولائه.
كلمات لا يزال يتردد صداها في الضمير الوطني، كلما جاءت ذكرى استقلال مملكتنا الأردنية الهاشمية؛ لتذكّرنا بلحظة إعلان الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين استقلال المملكة الأردنية الهاشمية يوم الخامس والعشرين من أيار عام 1946؛ لحظة مفصلية لمشروع وطني كانت القيادة فيه حاضرة بفكرها، وكان الجيش العربي سنده في الميدان، وكان الشعب الأردني عماده وركيزته.
يومٌ خرج فيه الأردنيون يتغنون بفجرٍ جديد بزغ من بريق سلاح الجيش العربي؛ يوم الاعتزاز والكرامة الوطنية؛ يوم أن حيّا الأردنيون علم بلادهم، ورفرفت أعلامهم خافقة في السماء، تروي للعالم أن هذه الدولة بُنيت بحكمة القيادة،، وبعرق الجنود،، وبوفاء الشعب؛ لتصدح الحناجر بالنشيد الوطني مرددةً:
"عـاشَ المـليــك عـاشَ المـليــك...ســـاميــاً مقامــــــــــــُــــه...خافقاتٍ في المعالي أعلامه.”
إن الاستقلال في مضمونه ليس مجرد مناسبة تاريخية تستذكر فحسب، بل منظومة فكرية ومؤسسية تُمارَس، وبنية سيادية متكاملة، تبدأ بالوعي الجمعي، وتترسخ بالقانون، وتُدار بالكفاءة؛ وانعكاس لقدرة الدولة على ممارسة سيادتها، وصياغة قراراتها وفقًا لأولوياتها الوطنية.
لقد تجسدت في مسيرة السعي لنيله حكمة القيادة الهاشمية السياسية في كل عهد من عهودها لتقدم أنموذجًا فريدًا؛ يجمع بين المسؤولية السياسية والثقة الشعبية، ويحاكي تحولات الزمن دون تفريط بالثوابت الوطنية؛ أنموذج صاغ واقعيًا المعنى الحقيقي للشرعية السياسية بوضوح تام وفقًا لنظريات الشرعية الثلاث التي وضعها عالم الاجتماع السياسي "ماكس فيبر":
الشرعية المستمدة من التاريخ العريق للأسرة الهاشمية ونسبها الشريف، والشرعية القانونية القائمة على الدستور الواضح، والشرعية الكاريزمية المتمثلة في الشخصية القيادية التي تملك الحضور والتأثير والقدرة على احتواء التحديات واستشراف المستقبل؛ الأمر الذي منح الأردن قدرة استثنائية على عبور الأزمات، وتعميق استقرارها الداخلي، وبناء منظومة ثقة خارجية تحترم استقلالها وتقدّر توازنها.
في الخامس والعشرين من أيار لعام 1946، أعلن المجلس التشريعي الأردني قيام المملكة الأردنية الهاشمية دولة مستقلة ذات سيادة، على الأساس الملكي النيابي، تحت قيادة جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، الذي قاد عملية التأسيس بروح وحدوية ناضجة، انطلقت من فهم عميق لموقع الأردن في الإقليم، ومن رؤية لبناء دولة مستقلة تنبع شرعيتها من إرادة شعبها وتاريخها العريق.
وفي عام 1952، تكرّس الاستقلال على نحو دستوري أعمق، حين صدر دستور المملكة الأردنية الهاشمية، الذي أعاد تنظيم العلاقة بين السلطات، وأكد على أن السيادة للشعب، وأن الملك يمارس سلطاته ضمن أحكام الدستور. كان هذا التحول محطة حاسمة في ترسيخ مبادئ الدولة الحديثة، حيث جرى التأكيد على الحقوق والحريات العامة، وتعزيز المشاركة السياسية، وتكريس دور مجلس الأمة باعتباره سلطة تشريعية نابعة من الإرادة الشعبية.
أما في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال، فقد استُكمل معنى الاستقلال من حيث البناء والتوازن؛ واجه الأردن حروبًا، أزمات، تقلبات إقليمية ودولية، لكنه ظلّ واقفًا، يبني مؤسساته، يُنشئ الجامعات، يُعزز جيشه، ويرسّخ مكانته بوصفه صوتًا عاقلاً في زمن الصراعات؛ وقد عُرفت سنوات حكمه بسياسة الاعتدال والانفتاح، في مقابل التقلبات التي اجتاحت المنطقة، مما جعل الأردن نموذجًا للاستقرار السياسي والسيادة المتوازنة.
واليوم، في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، دخل الاستقلال مرحلة جديدة من التفعيل والتحول؛ لم يعد فيها مفهوم الاستقلال محصورًا بالبعد السياسي أو السيادي فقط؛ بل أصبح مشروعًا متكاملًا لإعادة تعريف أدوار الدولة وتحديث بنيتها؛ ونهجًا استراتيجياً متجدد يستند على كفاءة الإدارة، وعدالة القانون، ورؤية التحديث فقد أطلق جلالته سلسلة من الإصلاحات، شملت مختلف جوانب الحياة، وأُعيدت هيكلة المؤسسات، وعُزز دور الشباب والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العامة، وانطلقت الرؤية التحديثية الشاملة التي ربطت بين السيادة والتنمية والعدالة الاجتماعية.
إنّ رؤية التحديث الاقتصادي، والمنظومة السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية بإشراك أوسع للشباب والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، كلها في مجموعها تعبر عن امتداد منطقي لفكرة مفادها أن المضمون الحقيقي لمسيرة الاستقلال منذ 1946 تتجدّد مع كل إصلاح، ومع كل قرار سيادي، وكل خطوة لحماية القرار الوطني.
وفي كل تلك السردية نعي تماما أن المشروع الوطني الأردني منذ عام 1946، لم يتوقف عن النمو، بل اتخذ أشكالًا جديدة في كل مرحلة، وفقًا للظروف والمتغيرات.
ففي الاقتصاد، لم يكن الاستقلال مجرد بناء منشآت، بل إطلاق رؤية تقوم على تنمية الموارد وتحقيق الاستقلال المالي، وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني؛ وفي السياسة تترسخ التحركات السياسة المعتدلة والدبلوماسية العاقلة، والتموضع الذكي في محيط إقليمي ودولي مضطرب؛ وفي الأمن، أثبت الأردن أن العقيدة الأمنية المبنية على الاحتراف والانضباطية العالية لجيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية رسمت أمام العالم أجمع صورة لوطن ولدولة لا يمكن أن تُخترق.
واليوم، وإننا إذ نستحضر يوم الاستقلال، ليس لإعادة إنتاج العاطفة فقط بل لنؤكد للعالم أن الأردن دولة ذات جذور شرعية، ومشروع سياسي عاقل، وقرار وطني لا يُساوَم عليه؛ وفي هذا السياق، لا يمكننا أن نحتفل بالاستقلال بمعزل عن سردية الوعي التي يجب أن ترافقه؛ فالوطن لا يُبنى بالأغاني فقط، بل بالفكرة الواضحة، والسلوك والتصرف المسؤول، والإيمان العميق بأن كل مؤسسة، وكل قانون، وكل جندي، وكل موظف، هم امتداد لمعنى الدولة الذي أُعلن في قاعة المجلس التشريعي قبل ما يقارب الثمانين عامًا..
كل عام والأردن هويةٌ وسيادة، وعقلٌ راجح في زمن التيه، وسردية لا تنكسر لأنها رُفعت من دماء الشهداء… وشُيّدت من صدق القيادة... بثبات أهله، وبإيمان من لا يعرف الهزيمة، فلنرفع صوتنا عاليا محتفلين بأردننا:
فلتحيا بلادي على العز والطيب... ولتبقى بلادي على القمة علم...
ولترفع الأعلام فينا للمغيب...فيرى فينا الضعيف بأننا لا ننهزم...

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير