جهاد مساعده يكتب: يهوذا يكتب تقريره الأخير

نبأ الأردن -
اعلم، أن الناس في دواوينهم كأصناف الطير في القفص:
منهم من يُغرّد ليؤنس،
ومنهم من ينعق ليُنذِر،
ومنهم من ينهش ليبقى،
ومنهم من يلتقط الفُتات من تحت المكاتب،
ثم يصنع منه تقارير دسمة،
تُقدَّم على أنها غيرة على المؤسسة،
وهي في الحقيقة… حِرفة الجبناء!
وما أكثرهم!
هؤلاء الذين يكتبون في الغياب،
ويُبالغون في الحضور،
ويتقنون الطعن،
ويُخفون خيانتهم في جيوب الخطابات.
وقد رأينا وجوهًا تبتسم لوجه الحق،
وتُقبّل جبينه أمام الناس،
ثم تسلّمه كما سلّم يهوذا الإسخريوطي سيده… بقبلة!
فإذا كُذِب علينا في مجلسٍ من مجالس العمل،
وكنا غائبين عن ساحة التهمة،
وحاضرين في ميزان الضمير،
فأُفرغت علينا التهم كما يُفرَغ الحقد في وعاء هشّ،
فاعلم أن ذلك من صناعة أهل الوشايات،
الذين لا يعيشون إلا في الظلال،
ولا يزدهرون إلا في غياب الحقيقة،
ومنهم – لا ريب – من وُلد من ضلع يهوذا،
ولو لبس أنظف البذلات وربطات العنق!
وقد صار الكذب في هذا الزمن وظيفة لا تُعلن،
لكنّها تُمارَس،
ويُكرَّم أصحابها،
ويُعلَّق على صدورهم وسام "الانضباط"،
ولو قُلبت الحقيقة ظهرًا لبطن،
لقيل: ما أروع إدارة الخداع !
زُعِم أننا تأخرنا،
وأننا قلنا ما لا يُقال،
وأننا ابتسمنا في غير موضع الابتسام،
كأن البشاشة تُجرّم،
وكأن الصمت يُدان،
وكأنّ كل من لم يُشارك في موكب التصفيق… خارج على الصف!
لكن، سبحان من لا تغيبُ عنه خفايا التقدير!
فما قيل عنا لم يُحرّك رمشًا،
ولا هزّ لنا شعرة،
ولا بلغ من كرامتنا مقدار ما يبلغه بعوضٌ على كتف أسد!
بل كانت كلماتهم كمن يرمي حائطًا بثمرة فاسدة:
لا تُصيب، ولا تُسمَع، ولا يُشتم منها إلا رائحتهم هم!
وقد سُئلنا: أما تؤثّركم هذه التهم؟
فقلنا:
والذي خلق العقل من طين، واللسان من نار،
ما مسّنا منها شيء،
بل كان ردّنا عليهم كسيف في رقابهم،
لا يُحدّ… ولا يُغمد!
نحن، من أدمَنَ الصدق،
لا تَجرحه السكاكين،
ومن تربّى على النقاء،
لا تُصيبه شظايا الوشاة!
يا سيدي،
نحن من قومٍ إذا ظُلِموا لم يصرخوا،
لكنهم إذا تكلموا…
أصابوا، وأسكتوا، وأوجعوا!
لا نرفع الصوت… بل نرفع القيمة،
ولا نُراوغ… بل نواجه،
وحين نردّ… لا نترك للعاقل موضع عذر،
ولا للوضيع موضع كِبرياء!
فدع عنك هؤلاء الذين جعلوا من الكذب مصعدًا،
ومن الزيف سُلّمًا،
ومن الوشاية عقيدة!
فإنهم لا يعلون إلا كما يعلو الزبد…
ثم تذروهم الأيام في نسيان المكاتب،
ويُنسَون كما نُسي يهوذا بين الرسل:
لا يُذكر إلا لِيُلعَن!
ولك أن تعلم:
أن البراءة لا تُمنَح بورقة،
ولا تُستردّ بصمت،
وأن الوقوف على الحق،
أشدُّ ثباتًا من كلّ موقف مكتوب!
ومن عُرف بصدقه،
لا تهزّه مهاترات المفترين،
بل يسقط خصومه حين ينطق،
كما تسقط أوراق الخريف عند أول نفخة من ريح الشمال!