وائل منسي يكتب:استثمار في المستقبل لا في الأسفلت..قطاع النقل بين الدولة والسوق الاجتماعي

نبأ الأردن -
يشكل قطاع النقل في الأردن عنصراً محورياً في دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق التماسك الاجتماعي، غير أنه يواجه تحديات متراكمة تتعلق بتهالك البنية التحتية، وضعف كفاءة خدمات النقل العام، وغياب العدالة في الوصول، والتأثيرات البيئية المتزايدة. ويؤكد تقرير البنك الدولي الأخير بشأن الاستثمار في النقل المرن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تطوير هذا القطاع يعد منطلقاً أساسياً لتعزيز النمو الشامل، والقدرة على الصمود في وجه الأزمات المناخية والاقتصادية.
في الأردن، ورغم المبادرات الحكومية الجارية مثل مشروع الباص السريع بين عمان والزرقاء، ومبادرات دعم النقل بين البلديات، إلا أن الواقع لا يزال يشير إلى فجوة واضحة بين احتياجات المواطنين ونوعية الخدمات المقدمة، خاصة في المناطق الطرفية والريفية. ويؤدي الاعتماد الكبير على المركبات الخاصة إلى تفاقم الازدحام المروري والتلوث، في ظل غياب نظام نقل عام فعال ومتكامل.
وانطلاقاً من مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يجمع بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، تبرز الحاجة إلى بناء نظام نقل يستند إلى التوازن بين دور الدولة في التنظيم والتوجيه، ودور القطاع الخاص في الابتكار والاستثمار. ويشكل هذا الإطار فرصة لإعادة تصميم منظومة النقل بما يخدم المصلحة العامة دون إقصاء، ويعزز التوزيع العادل للموارد والخدمات. فالنقل ليس فقط وسيلة حركة، بل أداة لتمكين الأفراد من الوصول إلى فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية، ما يسهم في تقليص الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين فئات المجتمع ومناطقه.
من هذا المنطلق، تبدو الشراكة بين القطاعين العام والخاص خياراً استراتيجياً لتحديث القطاع، عبر تحفيز الاستثمارات في البنية التحتية الذكية، وتوسيع خدمات النقل العام الصديق للبيئة، واعتماد نماذج تمويل مرنة ومستدامة. ويتطلب ذلك توفير حوافز واضحة للقطاع الخاص تشمل تسهيلات مالية وتنظيمية، وضمانات تشجع على الدخول في مشاريع ذات أثر مجتمعي طويل المدى، خاصة في المناطق الأقل حظاً.
ولكي تنجح هذه الجهود، لا بد من إشراك المجتمع المحلي والمجموعات المهمشة في رسم السياسات وتحديد أولويات النقل، بما يعزز الشفافية والمساءلة ويضمن أن تكون الحلول متجاوبة مع الاحتياجات الواقعية للمواطنين. فالرؤية القائمة على اقتصاد السوق الاجتماعي لا تقتصر على تحسين الخدمات، بل تسعى إلى بناء منظومة متوازنة تحقق الكفاءة الاقتصادية دون التفريط بالقيم الاجتماعية.
ولذلك فإن الاستثمار في قطاع النقل وفق هذا النهج يشكل مدخلاً لتجديد العقد الاجتماعي في الأردن، من خلال ضمان تنمية عادلة، وتحسين نوعية الحياة، وتعزيز قدرة الدولة والمجتمع على مواجهة التحولات المستقبلية بثقة واستقرار.