أسامه ابو طالب يكتب: ماذا بعد رفع العقوبات عن سوريا

نبأ الأردن -
بعد أكثر من عقد من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سوريا، تعود التساؤلات لتطرح نفسها بقوة: ماذا بعد رفع هذه العقوبات؟ وإلى أي مدى يمكن لهذه الخطوة أن تُشكّل نقطة تحول في مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي؟ فالعقوبات، رغم أنها فُرضت كأداة ضغط سياسي، سرعان ما تحولت إلى حصار خانق طال كل تفاصيل الحياة اليومية للسوريين، وفاقم من معاناة الاقتصاد الوطني، الذي واجه انهياراً شبه كامل في البنية التحتية، والقدرة الإنتاجية، والاستقرار النقدي.
اليوم، ومع بدء بعض الأطراف الدولية في تخفيف العقوبات أو التلميح بإمكانية رفعها تدريجياً، تبدو المرحلة المقبلة غامضة ولكنها حافلة بالاحتمالات. من الناحية الاقتصادية، فإن تخفيف القيود على التعاملات المالية والمصرفية يفتح نافذة أمل لاستعادة جزء من الثقة المفقودة في السوق السورية. عودة البنوك إلى النظام المالي العالمي، وتيسير عمليات التحويل الخارجي، ورفع الحظر عن استيراد المواد الأساسية والمعدات، يمكن أن يعيد تنشيط العجلة التجارية، ويمنح المستثمرين المحليين والأجانب حوافز للعودة إلى السوق السورية، خاصة في قطاعات حيوية كالإعمار والطاقة والنقل.
ورغم ذلك، فإن العقبات التي تقف في وجه التعافي ليست بسيطة. فالتحدي الأكبر لا يكمن في غياب التمويل فحسب، بل في غياب بيئة آمنة ومستقرة وجاذبة للاستثمار. الاقتصاد السوري يحتاج إلى أكثر من مجرد رفع للعقوبات؛ إنه بحاجة إلى إصلاحات هيكلية جذرية تشمل مكافحة الفساد، وتحديث التشريعات الاقتصادية، وتعزيز استقلالية المؤسسات، واستعادة الثقة المجتمعية بمؤسسات الدولة. كل هذه العناصر تُعد شرطاً أساسياً لأي نمو مستدام.
وفي السياق الإقليمي، فإن رفع العقوبات قد يُمهّد لعودة تدريجية لسوريا إلى عمقها العربي، خاصة بعد التقارب الحذر مع بعض الدول الخليجية التي أعربت عن استعداد مشروط لدعم عملية إعادة الإعمار. غير أن هذا الدعم سيظل مرهوناً بتفاهمات سياسية، وربما بإعادة تموضع استراتيجي لسوريا في علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع القوى الفاعلة في الملف السوري كإيران وروسيا وتركيا.
كذلك، فإن الموقع الجغرافي لسوريا يمنحها فرصة نادرة لتكون محوراً اقتصادياً في المنطقة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والقدرة على استثمار هذه الميزة في مشاريع لوجستية وخدمية وطاقة عابرة للحدود. وقد يكون من المناسب في هذه المرحلة أن تعيد سوريا النظر في نموذجها الاقتصادي، وتنتقل من الاعتماد على الدولة كمحرك رئيسي إلى نموذج يفسح المجال للقطاع الخاص، مع دعم القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والسياحة، واستغلال الموارد البشرية الشابة التي هُجّرت طاقاتها خلال سنوات الحرب.
وفي هذا الإطار، تبرز السياحة كأحد أكثر القطاعات الواعدة للتعاون الإقليمي، لا سيما بين سوريا والأردن. فرفع العقوبات يشكل فرصة لإحياء التكامل السياحي بين البلدين، لما يربطهما من عمق حضاري مشترك، ومواقع دينية وتاريخية متكاملة، يمكن أن تُعاد صياغتها ضمن برامج سياحية عابرة للحدود. تنشيط حركة الزوار، وفتح المعابر، والتنسيق بين وزارات السياحة في البلدين من شأنه أن يعيد الحيوية إلى المجتمعات المحلية على جانبي الحدود، ويخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، كما يعزز من صورة الاستقرار والانفتاح الإقليمي. الأردن، الذي يتمتع ببنية تحتية سياحية متطورة، يمكن أن يشكل منصة انطلاق للسياحة الوافدة إلى سوريا، والعكس صحيح، مما يحوّل التنافس إلى تكامل يخدم مصالح الطرفين اقتصادياً وثقافياً.
في المحصلة، فإن رفع العقوبات لا يشكل نهاية الأزمة، بل يمثل بداية مسار طويل ومعقد نحو التعافي وإعادة البناء. هو فرصة ينبغي أن تُدار بعقلانية وواقعية، لا بشعارات سياسية أو حسابات آنية. والأهم من ذلك، أن الشعب السوري، الذي تحمل عبء الحرب والحصار معاً، يستحق أن يرى نتائج ملموسة على الأرض، لا أن تبقى التغيرات مجرد وعود معلقة في الأفق.