فارس حباشنة يكتب : عن تسريب تسجيل عبدالناصر والقذافي

نبأ الأردن -
لم يكن توقيت تسريب الإتصال الهاتفي المجتزأ بين الزعيمين : جمال عبد الناصر و معمر القذافي بريئا أو بمحض الصدفة، بقدر ما هو تسريب يعبر عن وجهة نظر يجري تصديرها وتسييدها الى المشهد السياسي المصري والعربي، و الاقليمي.
في مصر، من وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وإرث ثورة 23 يوليو، وحقبة عبدالناصر تواجه حملات تشوية وشيطنة.
وتدفقت آلاف الكتب والمقالات، وبثت تقارير وبرامج تلفزيونية لتشويه جمال عبدالناصر ومشروعه التحرري.
مئات ملايين الدولارات أنفقت على تشويه صورة عبدالناصر، وحتى يوم
أمس الإعلام الخليجي يجلب أبواقاً مصرية وعربية لشتم عبدالناصر.
وعلى شاشة الجزيرة، أحمد منصور بث مئات الحلقات مع قادة الأخوان المسلميين ليُحَمّلوا عبدالناصر هزيمة 67، وأن نصر 73 حققه أنور السادات، وليهاجموا مشروعه الوطني باتهامه بتخريب مصر، و الاستهزاء بمشاريع الاصلاح الزراعي والسد العالي ومجانية التعليم و محاربة الاستعمار والتطور الصناعي، والتحول الاشتراكي.
كم ارتكب عبدالناصر من جرائم بحق مصر و شعبها !
وهجوم علني وشخصي ثأري على تاريخ عبدالناصر.
ومن أسوأ تجارب الصحافة و التأريخ، الإعراض عن الحقائق والثأر والتهجم.
الراحل محمد حسنين هيكل، حتى آخر أنفاسه، بقي وفياً اجمال عبدالناصر ومشروعه الوطني، ودافع بسراشة عقلانية وحكيمة عن عبدالناصر.
لماذا عبدالناصر واستهدافه في حياته ومماته؟
إنها شهادةٌ على قوة المشروع وحيويته، وحجم تأثيره لليوم.
مصر في ثورتها الثانية 2013، واسترداد وتصحيح المسار، استنهضوا مشروع عبدالناصر الوطني في بناء الدولة والهوية المصرية ، وكبح الاخوان، سياسياً واجتماعياً.
عبدالناصر أرسى معني حقيقي للديمقراطية والمدنية الاجتماعية، والدولة المستقلة، والتحرر، و العدل.
ما أُنجز في عهد عبدالناصر كان كبيراً، و من الطبيعي أن تشارك جبهات عديدة في ضرب الحقبة الناصرية وتشوييها.
مرّ على ثورة يوليو 72 عاماُ، وصورة عبدالناصر لم تهتز، بل أنه تحول إلى عقدة للأنظمة والزعماء العرب.
ما تسويغ تسريب تسجيل صوتي مجتزأ في هذا التوقيت الإقليمي المعقد من حرب غزة، و توابعها وتداعياتها؟
الموضوع إدخال وإشراك عبدالناصر في معركة إجتثاث و نزع سلاح المقاومة.
و نزع سلاح المقاومة، هو العقدة الكبرى في مفاوضات وقف إطلاق بين المقاومة وإسرائيل.
في مصر، بعد نكسة 67، تولّدت روح النقد، وتأكدت مباديء وقيم سياسية جديدة، إضافة الى إعادة بناء القوات المسلحة من جديد على أسس حديثة، وإبعادها عن التورط في السياسة الداخلية.
يصعب إطلاق أي إتهام ضد عبدالناصر، هكذا جزافاً واعتباطاً، ودون تأكد ونظرة سياسة متكاملة وشاملة الى حقيقة مشروع وفكر عبدالناصر.
التفكير في عقلية ثأرية وضغينة، قد يدفعك لإصدار أي إتهام، وكما تشاء .
والسؤال الأكبر، وقد مر على رحيل عبدالناصر حوالي 55 عاما .. هل قتلته إسرائيل بالسم أم ماذا؟
هذا هو السؤال الكبير والمهم ، والذي ما زال يبحث عن إجابة يقينية.
وما قد يقال في حق التسجيل الصوتي، لو أنه صدر بعد حرب 73، و لكن، من صنع نصر حرب 73 ؟ أليس جمال عبدالناصر ؟
وقبل أن يتوفى عبد الناصر كان قد صادق بتوقيعه على خطة حرب 73 وخط بارليف.
من الضروري فهم التسجيل الصوتي ضمن سياقه.
لقد طرحت مبادرة "روجرز "لمدة 90يوما بين مصر وإسرائيل، وبدء مفاوضات لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242، واجه ذلك معارضة في العالم العربي.
وليس من الواضح إن كان جمال عبد الناصر قد قبل نهائيا مبادرة روجرز أم انها حرب نوايا.
المهم، أن وافق عبد الناصر على مبادرة روجرز، فالجيش المصري كان يجهز لمعركة الاجتياح الكبرى .
في التسجيل الصوتي هاجم وسخر عبدالناصر من المزايدين، وأبدى استخفافاً بمطالبهم بحرب دون جاهزية.
في موضوع القضية الفلسطينية، عبد الناصر ليس محتاجاً اليها لدعم شرعيته، وليس على غرار حزبي البعث في العراق وسورية، فعبد الناصر امتلك منجز تاريخي من تأميم قناة السويس ودحر العدوان الثلاثي في56، والوحدة مع سورية 58، وعلى المسرح الدولي، أقام حلف دول عدم الانحياز، ومؤتمر باندونغ 55.
القضية اليوم ليست عبدالناصر، بل مصر و أمنها القومي.
تهديد وإرغامات ترامب في تهجير فلسطينيي غزة قسراُ وطوعاً، واضحة، ولا تغطى بالغربال.
"الرسالة المضمرة"، وتستجوب، بدل النبش في الارشيف وأدلة التاريخ المستحكمة، حماية ما هو صلب و ثابت و استراتيجي في السياسة المصرية.
التسجيل الصوتي يلامس حدود الكوميديا، كما لو أن عبدالناصر مات على أبواب اورشليم، أو مات وهو يصافح ديان، أو أنه خطى قدميه الى البيت الابيض، أو مات وهو ينتظر لقاء الرئيس الامريكي، ليندون جونسون.
أنا لا أسبغ مدائح لعبدالناصر و لا غيره، ولكن أنصح بقراءة التاريخ حتى لا نقع في فخ الفقر المعرفي و التأريخي، والتضليل وحروب الدعاية.
الجهل بالتاريخ انتحار كبير .
فارس حباشنة