د.أشرف الراعي يكتب : بين حرية التعبير وسيادة القانون

{title}
نبأ الأردن -
"خيط رفيع" ذلك الذي يفصل بين الحق المقدس في التعبير عن الرأي، والانفلات من عقال القانون، حيث تقوم هذه المعادلة على "توازن دقيق" بين حماية الحريات الفردية وضمان الأمن المجتمعي، وهو توازن لا يمكن تحقيقه إلا عبر منظومة قانونية متكاملة، وتفعيل مؤسسي حكيم، ومجتمع واعٍ بحقوقه وواجباته.

نص الدستور الأردني في المادة (15) على أن "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير وسائر وسائل التعبير، على أن لا يتجاوز حدود القانون”، وهذا النص يختصر فلسفة التشريع الأردني: حرية مضمونة، لكنها ليست مطلقة، وإنما مقيدة بالقانون.

لعل من أبرز التحديات التي تواجهنا اليوم، هو ذلك التداخل الكبير بين حرية التعبير والفوضى الرقمية، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة، تُستخدم لنشر خطاب الكراهية، والذم والقدح، واغتيال الشخصية، تحت غطاء "الرأي الحر”.

وهنا تظهر أهمية قوانين مثل قانون الجرائم الإلكترونية الذي يعاقب على أفعال مثل التشهير، ونشر الأخبار الكاذبة، وخطاب الكراهية، وكذلك قانون المطبوعات والنشر الذي يضع ضوابط على النشر الإلكتروني، وينظّم مسؤولية المواقع الإخبارية، رغم معارضته من مؤسسات المجتمع المدني والكثير من الناشطين.

وعلى أية حال، تلعب نقابة الصحفيين الأردنيين دوراً أساسياً – ينبغي أن يكون أكثر فاعلية – في هذا الإطار؛ فالنقابة لا ينبغي أن تكون فقط حامية لحقوق الصحفيين، بل ضابطة لممارساتهم المهنية، خصوصا في الفضاء الرقمي.

وعليه من المهم إطلاق برامج توعية وتدريب حول أخلاقيات النشر الرقمي، وحقوق الإنسان، والقوانين ذات الصلة، بما يعزز الفهم العميق للحدود القانونية والأخلاقية للتعبير، ومراجعة شروط العضوية والمساءلة؛ إذ يجب أن تُربط عضوية النقابة بمستوى من الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية، وتطبيق العقوبات النقابية عند الإخلال بها، كالإيقاف المؤقت أو الشطب في الحالات الجسيمة.

كما أننا اليوم بحاجة إلى وعي جمعي بأن حرية التعبير لا تعني التعدي، وأن القانون ليس خصماً للحريات بل حامٍ لها، وأن ما نحتاجه ليس مزيداً من القيود، بل مزيداً من النضج والمسؤولية في ممارسة هذه الحرية، بما يضمن أن تكون الكلمة أداة للبناء لا للهدم.

الحد الفاصل بين الحرية والقانون مسؤوليتنا جميعاً، دولة ومجتمعاً وأفراداً ومؤسسات، وأول ما نحتاجه هو ترسيخ ثقافة الحوار، ومأسسة الضوابط المهنية، وتجديد فهمنا لدور الإعلام في خدمة الحقيقة، لا في الانحياز للمصالح أو الوقوع في مستنقع التشهير والانفعال.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير