محمد داودية يكتب: للرحيل مواسمه التي لا تتأخر !!

{title}
نبأ الأردن -
عملنا سويةً محمد كعوش وانا في صحيفة الأخبار اليومية من عام 1977 حتى عام 1980. ثم في صحيفة صوت الشعب منذ عام 1982.
ولما أصدر مجلة الحصاد السياسية الثقافية الإجتماعية، كتبت له فيها مقالة ثابتة، ومثلت الحصاد عضوًا في مجموعة الصحافيين البيئيين الدولية، المكونة من 13 صحافيًا من عدة دول، الذين أصدروا
The Global Edition
التي حضرت ممثلًا لها "قمة ريو- قمة الأرض" في ريو دي جانيرو - حزيران 1992، وهناك التقيت وزير البلديات عبد الرزاق طبيشات، وسفيرنا في البرازيل نايف مولا.
عملنا معًا في صحيفة الأخبار التي أسسها الأستاذ فؤاد سعد النمري، مع نخبة من قروم الصحافة والثقافة: عبد الرحيم عمر، راكان المجالي، إبراهيم أبو ناب، عدنان الصباح، فخري النمري، محمود الحوساني، فواز كلالدة، سليمان خير الله، نقولا حنا، حافظ ملاك، عبد الحميد المجالي، جورج طريف، عزام بدر، يوسف حجازين، غازي شيحا ومفيد حسونة.
كان محمد كعوش مهنيًا معتدًا واثقًا، فهو القادم من الصحافة اللبنانية الحيوية، صحافة الوطن العربي الأبرز، التي كانت أسماء نجومها تسطع بلا منازع: غسان تويني، سعيد فريحة، رياض طه، سليم اللوزي، طلال سلمان، كامل مروة وسمير عطالله،
كان كعوش الصحافي يحتاج فقط إلى قلم ودواة، وإلى إطلاق يده ليعطي أرشق وأعمق عنوان صحفي "مانشيت" بسرعة وعفوية وتلقائية مذهلة.
لا أعتقد أنه بادر بالإساءة إلى مخلوق. ولا أعتقد أن قلبه عرف شيئًا إسمه الحقد أو الكراهية. كان قلبه أطهر من أن يجعله إقليميًا أو طائفيًا أو جهويًا.
وكان طبيعيًا أن يكون محمد كعوش اللاجيء من صفد إلى مخيمي عين الحلوة والمِية ومِية، وحدويًا قوميًا حالِمًا بعيدًا عن الأنظمة القومية الرسمية التي خلطت الوحدة بالقطرية، والحرية بالزنازين، والإشتراكية بالبراميل المتفجرة والمقابر الجماعية.
عملنا معا في صحيفة صوت الشعب برفقة نجوم الإعلام: إبراهيم سكجها ونصوح المجالي وطارق مصاروة.
كان ناجي العلي يرسم للقبس الكويتية عندما اتصل به صديقه من أيام بيروت والمِية ومِية وعين الحلوة والكويت، محمد كعوش مدير تحرير صوت الشعب، طالبًا منه أن يرسم لها.
استجاب ناجي العلي معلنًا أنه يحب الأردن وشعبها الحر المثقف. فرسَم بلا مقابل مئات الكاريكاتيرات التي كان يرسلها يوميًا من الكويت إلى عمان على الفاكس.
كتبتُ "عرض حال" في "صوت الشعب" بعنوان: "ناجي العلي مشروع شهيد" سنة 1985 توقعت فيها اغتياله !!
طلبني ناجي هاتفيا من الكويت، فلما لم يجدني، طلب من الأستاذ كعوش أن يشكرني نيابة عنه. وأكد على توقعاتي بأنه مشروع شهيد.
إغتيل ناجي العلي بلندن في آب 1987 !!.
تجاورنا محمد وأنا في إسكان الصحافيين بطبربور في بنايتين متجاورتين منذ 1983 إلى 1989.
كان يتصل مع أم عمر يسألها:
شو طابخة على الغدا اليوم ؟
تقول له: ملوخية.
يسألها: بماذا ؟
ترد: باللحمة راس عصفور.
يحتج قائلًا: ليش باللحمة، ما بتعرفي أنا بحبها بالجاج ؟!
كان هذا كعوش، يتصرف كشقيق له كل الحق أن يتطلب وأن يتدلل على شقيقه.
و لما قرر محمد الزواج، عرّفناه أنا وزوجتي في بيتنا، على السيدة هدا السرحان المثقفة والكاتبة، فوقع النصيب.
وقد كان خيارًا موفقًا صائبًا جدًا، إذ رعت هدا شيخوخته وصانتها بكل بسالة وعزم وتضحية.
تميز أبو يوسف بسلامٍ داخلي وخارجي نادر. كما كان متصالحًا مع نفسه ومع محيطه إلى درجة بارزة ناطقة باهظة.
في نهاية السبعينات تعيّن صديقي المثقف الرائق زهير محمد علي العجلوني رئيسًا لهيئة إدارة المرافق والاستراحات السياحية التي كانت منتشرة في كل المملكة (لاحقًا اصبح وزيرًا للسياحة ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء). فاقترحت عليه أن ينظم برنامج زيارات أسبوعية للصحافيين والمصورين وعائلاتهم إلى المنشآت السياحية، يشمل صحف تلك الأيام، الرأي والدستور والأخبار، ولاحقًا صوت الشعب ووكالة الأنباء الأردنية.
كنا نذهب كل يوم جمعة تقريبًا، محمد كعوش ونصر المجالي ومحمد موسى عوض ونبيل عمرو وأحمد ذيبان وأحمد الحسبان ويوسف العبسي وحافظ ملاك وعماد القسوس وغيرهم، إلى أحد المواقع السياحية في حافلة مجهزة يوفرها لنا ولعائلاتنا ونعود لنكتب مشاهداتنا في تقارير تعريفية مصورة جميلة مجانية.
أدمنت مع أبي يوسف الذهاب في الأيام المقمرة إلى البحر الميت بصحبة سمير حباشنة ومحمد الجالوس وسمارة الخطيب ومحمد قاسم وصدقي الفقهاء وعبد القادر الشواورة وخالد خميس ومنذر رشراش.
كان يحب تلك الرحلة الليلية التي نفترش فيها الشاطئ المقابل لفلسطين، حيث يردد: ما أقربها وما أبعدها.
لقد حافظ هذا الرومانسي على براءته بلا عناء.
وحين تقاعد من العمل الصحافي كتب "بيانا" إلى الأصدقاء اقتطِفُ منه:
(عندما غادرت مبنى الجريدة غمرني فرح طارئ وأيقنت أنني لست نادمًا على شيء، وتذكرت محمود درويش حين قال: "ما أشد سعادة المرء حين لا يودع أحداً، ولا ينتظر أحداً"..
لقد أتت اللحظة التي انتظرتها خمسين عامًا، لذلك شعرت بالسلام مع النفس، بعدما تعبت من توفير الكتابة واختزان الأفكار، كما تعبت من حصار الوقت ورغيف الخبز وخطر الجفاف.
لا أحد يستطيع ردع القلب المتحفز للعطاء بمزيد من العشق والورد والكلمات).
وكتبت من جاكرتا عام 2011 عندما علمت انه أدخل المستشفى:
عندما استيقظت في الغبش كان قلبي يؤلمني، ولم أعرف السبب، إلى أن علمت ان صديق العمر محمد كعوش كان في المستشفى، ولم يزايلني ألم القلب إلا بعدما علمت أن أبا يوسف غادر المستشفى على قدميه. لا تفعلها مرة أخرى يا صديقي فقلبي لا يحتمل.
أفتقد أبا حلا بلا جهد. هو يحضر ويغيب كما كان يفعل دائمًا، بلا أعذار وبلا أسباب. أعتقد أنه يسترجع الآن، في غمار ذلك السديم العظيم، المِية ومِية وصفد وعمان وناجي العلي والرأي والأخبار وصوت الشعب وأحبابه وأصحابه، ولا شك أنه يصيخ السمع منذ 4 سنوات، لترحمنا عليه ودعائنا له بالقبول، وحفاوتنا بذكراه الطيبة الرائقة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير