د تيسير أبوعاصي يكتب: ( قمم الصقور )

نبأ الأردن -
عاد الصقر من جولته متنقلًا ما بين سهول البلاد وهضابها، محلقًا في فضائها يستعرض تساميًا وتألقًا، قطامي يحلم في غد جديد يورق عزة، ويضيف إلى سِفر الحرية أغصانًا وسنابلَ، ينقش على صفحات العلا رفيفًا وقعقعة جسورة، باشق استعار من الفضاء جذوةً، ومن الآفاق فرحة، ومن أكتاف الأشجار بساطًا أخضرَ، ومن السحب صحبة، ومن النجوم أوسمة.
عصفت في ذاكرته صولاتٌ وجولاتٌ تنقَّل فيها بين القمم، غزوات أغار بها صيدًا هنا، واقتناصًا هناك، مطاردات تكاد تخطف الأرواح قبل القدر .
عقبان تملأ الدنيا أنفة وعزة وإباء، وإذا هي سخرت لصيد البراري وقفت تُبسمِلُ على زنود وأذرع ؛ لتنطلقَ إلى ضالة تقطع الفيافي سهولها وهضابها، يشتد أزر راعيها فيختال متبخترًا في صحراء، هو فيها القمة والهرم.
تتوارث القمم للصقور جيلًا بعد جيل، فإذا ما الغراب حطت رِحالُه ذات شؤم وتسلل نعيقه إلى قمة، وتناهى إلى صقرٍ ذاك الخبر؛ هجر إرثه وتلك الذكريات وبصق، والدمعُ تطوف به المآقي والمحاجر على زمن رديء ذاك المنحدر، فتناسى جمالًا نقش في سمعته أمجادًا ومآثرَ وما قرض الشاعر للبطولة سجعًا وقوافيَ.
رخصت في عين الصقور كلُّ المناصب فهجرها، ونأى عنها هجرة العزيز المقتدر، وما باتت أمكنة وسُددًا للمعالي حين تستوطنها الغربان ، ولم تعد مأوى وحلمًا ومرصدًا، ولم تبلغ تلك الأماكن بغربانها سمو القمم.