صالح شراب العبادي يكتب : أمريكا إلى أين تحت قيادة ترامب؟

{title}
نبأ الأردن -
منذ عودته إلى البيت الأبيض، أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا بسبب سياساته الخارجية التي تعكس تحولًا جذريًا في نهج الولايات المتحدة على الساحة الدولية، فبعد أن كانت أمريكا تُعرف بدورها في تعزيز الديمقراطية ودعم المؤسسات الدولية، يبدو أن سياسات ترامب تتجه نحو نهج أكثر عدوانية، مما يهدد مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى ، تظهر هذه السياسات بوضوح في تعامله مع قضايا عالمية حساسة، مثل خططه المتعلقة بتهجير الفلسطينيين من غزة، وتهديداته بغزو دول صغيرة، وممرات مائية وتغيير اسماء مناطق ، وحروبه التجارية مع أقرب حلفائه ، فهل تعزز هذه التوجهات قوة أمريكا أم أنها تسرع من تراجع نفوذها الدولي؟

تعكس سياسات ترامب الخارجية تراجعًا في ثقة الولايات المتحدة بنفسها، مما قد يؤدي إلى إضعاف مكانتها العالمية ، فبدلًا من التركيز على حماية الحريات وتعزيز الاستقرار الدولي من خلال القرارات الدولية ومخرجات المحاكم الدولية العالمية والمحافظة على التحالفات الاستراتيجية ، أصبحت أمريكا اليوم أكثر انغلاقًا ، تهدد بغزو دول صغيرة، تنسحب من المنظمات الدولية، وتتبنى سياسات مثيرة للجدل مثل التطهير العرقي في غزة، هذا التحول يعكس فقدانًا للقيم التي تبنتها أمريكا بعد الحربين العالميتين، مثل الدفاع عن الحرية وتقرير المصير والأمن الجماعي.

تصرفات ترامب لا تعكس القوة بقدر ما تُظهر تخبطًا سياسيًا ، فهو يسعى لتوسيع نفوذه بطريقة تذكر بأساليب القادة المستبدين، الذين يستخدمون التهديدات والتوسع الإقليمي لترسيخ سلطتهم. قد تكون هذه السياسات مجرد مناورات سياسية وممارسات إعلامية استعراضية ، لكنها في المقابل تجعل أمريكا تبدو ضعيفة وغير جديرة بالثقة في أعين حلفائها.

من بين أكثر مقترحات ترامب إثارةً للجدل، خطته المتعلقة بقطاع غزة، والتي تتضمن تهجير الفلسطينيين وتحويل القطاع إلى ما وصفه بـ"ريفيرا الشرق الأوسط". رغم أن هذا الطرح قد يبدو غير واقعي، إلا أن مجرد طرحه يعزز فكرة إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم، مما يثير قلقًا دوليًا واسعًا ورفضًا عالميًا وإقليميًا غير مسبوق.

لم تلقَ هذه الفكرة أي نوع من القبول، إذ رفضتها الدول العربية جملةً وتفصيلا ، وعلى رأسها الأردن ومصر والسعودية ، باعتبارها تهديدًا لاستقرار المنطقة ، ومع ذلك، قد يستخدم ترامب هذه الخطة كورقة ضغط لإجبار الدول العربية على لعب دور أكبر في غزة، سواء عبر دعم إعادة الإعمار بشروط سياسية أو عبر الضغط على حماس للتنحي عن السلطة.

لكن المشكلة الأكبر أن هذه السياسة لا تتماشى مع الجهود الدبلوماسية السابقة لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل إنها تعمّق الفجوة إلى حد لا يمكن تجسيره في ظل هذه السياسات المتخبطة، كما أنها تزيد من التوترات، دون تقديم حل عملي يمكن أن يحظى بدعم دولي حقيقي.

لا تقتصر سياسات ترامب المثيرة للجدل على الشرق الأوسط فقط، بل تمتد إلى علاقاته مع الدول الأخرى ، فهو يتبنى نهجًا عدائيًا ينعكس في سياساته التجارية والاقتصادية ، من تهديداته بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، إلى تصريحاته حول غزو غرينلاند وبنما، تبدو سياساته أشبه بالمغامرات غير المحسوبة، التي تضر أكثر مما تفيد.

وعلى الرغم من أن ترامب يبرر هذه السياسات بأنها تعزز المصالح الأمريكية، إلا أن الواقع يشير إلى أنها تجعل الولايات المتحدة أكثر عزلة، وتفقدها ثقة حلفائها التقليديين. كما أن سلوكه الشخصي، الذي يتميز بالأنانية المطلقة، يجعله غير مهتم بالنتائج الحقيقية لسياساته، بقدر اهتمامه بالبقاء في دائرة الضوء الإعلامي.

في ظل هذه السياسات، هل لا تزال أمريكا قادرة على الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى؟ يبدو أن الإجابة ليست واضحة وغامضة في ظل العقلية السياسية السائدة لترامب ، خاصة مع تزايد الانتقادات الداخلية والخارجية لنهجه، الذي يضع المصالح الأمريكية في مواجهة مفتوحة مع العالم، دون استراتيجية واضحة لتحقيق مكاسب طويلة الأمد، مضعفاً ومهدداً السياسة الأمريكية الخارجية التي بدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً ..

إذا استمرت هذه السياسات، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف أضعف، حيث تفقد نفوذها التقليدي، وتصبح أكثر انعزالًا على الساحة الدولية، وبالنظر إلى تحالف ترامب مع شخصيات على شخصيات تجارية مثل إيلون ماسك، الذي يسعى لتغيير قواعد السلطة تتماهى مع العقلية التجارية العقارية ، فإن المستقبل قد يشهد تحولات غير متوقعة، قد تجعل أمريكا أكثر فوضوية وأقل استقرارًا.

يبدو أن سياسات ترامب تقود أمريكا في اتجاه غير مألوف، حيث تنتقل من دور القائد العالمي إلى نهج أكثر انغلاقًا وعدوانية، هذه السياسات، التي يعتقد ترامب أنها محاولة لاستعادة الهيمنة الأمريكية، قد تؤدي في الواقع إلى نتائج عكسية، تجعل أمريكا أكثر عزلة وأقل نفوذًا ، ويبقى السؤال: هل ستدرك واشنطن مخاطر هذا التوجه قبل فوات الأوان؟

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير