وائل المنسي يكتب:إطلالة على مستقبل الصحافة الورقية الغامض والواضح، أزمات وأخطاء إدارات متعاقبة

نبأ الأردن -
تنطبق مقولة إبن خلدون في مقدمته على الصحافة فيقول: الأوقات الصعبة تصنع رجالا أقوياء .. الرجال الأقوياء يصنعون أوقات الرخاء .. أوقات الرخاء تصنع رجالا ضعفاء .. والرجال الضعفاء يصنعون اوقاتا صعبة.
وأذكر في الثلجة الكبيرة شتاء 2002 كنت أعمل في الدستور كأصغر مدراء الدوائر وقتها وكنت أسكن في ضاحية الرشيد المقابلة لمبنى الصحيفة، وقد تم الطلب من الموظفين الذين يسكنون بالقرب منها أن يلتحقوا اضطراريا بالعمل ولو لساعات محدودة، وكان عدد من فنيي المطبعة وموظفيها كانوا قبل ليلة الثلجة مداومين في المطبعة كونها تطبع ليلا، وفي الليلة التالية تم الحجز لهم في الفندق المجاور للدستور.
وتم إصدار الصحيفة في اليوم التالي بأعداد وصفحات أقل من المعتاد، لكن كان المهم أن تصدر، وتصل الى بعض المناطق غير المتؤثرة بالثلوج.
وبعدها بعدة أيام كان لي إجتماع مع نائب المدير العام وقتها الأستاذ إسماعيل الشريف ومن ضمن ما قال من الكلام، أننا نستطيع أن نصدر الصحيفة بعشرين شخص فقط.
وكانت الدستور يعمل بها أكثر من 500 موظف رسمي عدا عمال الميوامة في المطبعة.
وهذا ينطبق على الرأي في عدد الموظفين الكبير وتدخلات في التعيينات عدا التدخلات في سياسة التحرير، ضمن قرارات تنزل بالبارشوت على التحرير والإدارة.
وبعد الربيع العربي وتغيير إدارات الصحف اليومية، ارتكبت الإدارات الجديدة أخطاء جسيمة واتخذت قرارات على إثرها مضطرة، فصحيفة الدستور اضطرت لبيع أراضيها ومبانيها ومطبعتها الكبرى الحديثة للضمان الاجتماعي المساهمة الأكبر فيها، وذلك لسداد العجز الهيكلي الكبير.
وبعد أن خسر سعر السهم من ٦ دنانير إلى أقل من نصف دينار.
وصحيفة الرأي تورطت ببناء مطبعة كبرى قبل سنوات واستنزفت مواردها واحتياطاتها النقدية الكبرى، وكان واضحا اتجاه الصحافة الورقية المتهاوي.
ولنا في الصحافة الأسبوعية مثالا التي ازدهرت في التسعينات كانت رشيقة وتقدم ما محتوى جذاب للقراء ( بغض النظر عن مستوى المصداقية)، وكذلك المواقع الإلكترونية التي بدأت بازدهارها في العقد الأول من الألفية، وتفوقها على الصحافة الورقية حيث بدأت عمون والزميلين سمير الحياري وباسل العكور بإدراك التحول التقني مبكرا، وكانت في بداياتها دون مقر، وتعمل عن بعد.
ولم تواكب إدارات الصحف التحولات التكنولجوجية الهائلة الرقمية وهو الأهم حاليا ومستقبلا في الصحافة والتواصل المعرفي والتعليم والحوكمة والتجارة.
وإذا اعتبرنا أن الصحف تنقل محتوى محدود، فإن جوجل وحدها يتضاعف محتواها وقتها كل 18 ساعة.
وفي رد أحد الكتاب المعروفين على تعليق أحد مدراء التحرير، بخصوص أزمة الصحف الحالية:
" رد الجميل للآباء المؤسسين يقتضي اتباع نهجهم، وليس تلميع بلاط الحكومة وشخوصها "
وأيضا أشار إلى تخمة المؤسسات الصحفية بالموظفين.
وعليه يجب تغيير نمط العمل والتفكير، وهذه بعض المعلومات الهامة حسب احصائيات قبل عدة سنوات تتحدث عن اتجاهات وسلوكيات الأردنيين نحو وسائل الاعلام والاتصال:
فالمواطن الأردني يقضي يوميا 180 دقيقة في تصفح الإنترنت ويستمع 36 دقيقة إلى الإذاعات ويتحدث 93 دقيقة على الهاتف الخلوي بينما يقضي في المعدل 2 إلى 4 ساعات يوميا في متابعة التلفزيون، كما أشار التقرير إلى أن 15% من الأردنيين كانوا يقرأون الصحف اليومية عام 2011 بينما انخفضت هذه النسبة إلى 11% عام 2012، وأقل من 2.5 % في العام 2015 (طبعا الآن أقل من 1%) وأن هذا الانخفاض يعزى إلى توجه الأردنيين نحو الإنترنت والتطبيقات الخلوية والتلفزيون بدلا من الصحف الورقية.
ويبدو أن حل مشكلة الصحف في الأردن، هو الدمج وإعادة الهيكلة لكل من الرأي والدستور، وتعيين إدارة وطاقم تحريري جديد وشاب متسلح بالعلم والتكنولوجيا وأساليب التسويق والإتصال الحديثة، وذات دراية وأفكار خلاقة (مع بقاء بعض القامات الإعلامية العريقة) وإصدار نسخة رشيقة ورقية ذات محتوى تحليلي وتحقيقات استقصائية، و جزء من التطوير، الاهتمام بالنسخة الالكترونية وأن تكون تفاعلية والدمج بينها وبين التطبيقات، وإنشاء إذاعة إخبارية وفضائية، ودعم استقلالية المكون الصحفي الجديد، ورفع التدخل الحكومي عنها.
وحينها قد تضمن استقطاب المستثمرين لديها.