د. أحمد فايز العجارم يكتب : الأصول الفلسفية "لولاية الفقيه" في إيران؟

{title}
نبأ الأردن -
خروجاً عن سياق الفلسفة السياسية الغربية الحديثة، التي بدأتُ بها سلسة مقالات هذه، وجدتني مشدوداً اليوم لأكتب عن واحد من أهم فلاسفة المشرق الإسلامي، ولهذه الإلتفاته سبب وجيه بنظري، أن صاحبنا اليوم يمكن أعتباره هو الأب الروحي للفكرة السياسية الاشد تأثيراً في منطقتنا العربية منذ ما يقارب الخمسة عقود، وأعني بذلك (ولاية الفقيه) وهي الفكرة الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي في إيران اليوم.
في قاعة الدرس في الجامعة الأردنية، وضمن مساق الفلسفة الإسلامية المتأخرة، والتي درستها على يد الأستاذ الدكتور سلمان البدور أطال الله في عمره، تعرفت على أثنين من أعظم فلاسفة الإسلام الأول هو (صدر الدين الشيرازي أو (ملا صدرا)، والثاني هو شهاب الدين السهروردي.
وقد بدأ المساق بالتعريف بصدر الدين الشيرازي أو كما يمسى "ملا صدرا" الفيلسوف والمفكر الفارسي الذي عاش في الفترة ما بين(980هـ-1050هـ / 1572م-1640م)، حيث أجاد استاذنا الدكتور سلمان في شرح فلسفته في المعرفة والوجود، شارحاً أهم أفكاره ومنها فكرته في التغيير والحركة والتي أسماها ب(الحركة الجوهرية).
وكعادتي في الدرس الفلسفي، بادرت في سؤال استاذي حول الفكر السياسي لصدر الدين الشيرازي، فاجابني الدكتور سلمان إجابة مختصرة ومكثفة ببضع كلمات قائلاً (اذا اردت أن تعرف الفكر السياسي لصدر الدين الشيرازي; فانظر الى النظام السياسي في إيران) .
فرغم أن الشيرازي لم يكتب مباشرة في الفلسفة السياسية، إلا أننا يمكن أن نلتمس من المحاور الأساسية لفلسفته ما يمثل اصولاً فلسفية لولاية الفقيه، ففكرة الحركة الجوهرية مثلا التي قال فيها (أن الوجود في حالة تطور مستمر من المراتب الأدنى إلى الأعلى، وأن العالم المادي ليس منفصلاً عن العالم الروحي، بل هو انعكاس له)، تشابه الفكرة الموجودة في نظام ولاية الفقيه والقائلة بأن (على المجتمع الإسلامي أن يتطور باتجاه الكمال الأخلاقي والروحي، وأن الولي الفقه يمثل القيادة التي تُرشد الأمة نحو هذا التطور. باعتباره هو الشخص الذي يحمل البصيرة الروحية والفكرية لضمان هذا الاتجاه).
كما ان فكرة الإنسان الكامل في فلسفة ملا صدرا التي تقول بان الأنسان الكامل هو الإنسان الذي تدرج في مراتب الوجود نتيجة لعلمه وتقواه، هو الوسيط بين الحق والخلق. وهي تشبه تماما القول في ولاية الفقيه أن الفقيه (وفق مفهوم الولاية) يُعتبر ممثلًا للإرادة الإلهية في المجتمع. كما أن الفقيه الجامع للشرائط يُنظر إليه كإنسان عارف وقادر على تحقيق العدالة بين الناس بما يتوافق مع الشريعة الإلهية.
كما أن فكرة (الحكمة المتعالية) عن ملا صدرا  التي تدمج بين العقل والعرفان (أي الوحي والإلهام)، نجدها متمثلة في مفهوم ولاية الفقيه ؛ إذ إن الفقيه، لكي يتولى القيادة، لا بد أن يمتلك العلم الفقهي العميق (الشريعة) مع العدل والبصيرة الروحية. هذه الصفات تجعله قادرًا على قيادة الأمة وفق معايير إلهية وأخلاقية.
وكما يرى ملا صدرا أن العدل هو جوهر الوجود ونظامه. وأن أي انحراف عن العدل يعني انحرافًا عن النظام الكوني، ففي ولاية الفقيه نجد أن العدل هو الشرط الأساسي لتولي الفقيه السلطة. فالفقيه العادل هو الذي يحفظ النظام السياسي والاجتماعي في إطار العدل الإلهي.
وبناء عليه يمكن القول إن فلسفة ملا صدرا تؤسس لجذور فكرية يمكن تأويلها لدعم بعض الجوانب في ولاية الفقيه، مثل تلك التي ذكرناها ( أهمية العدالة، الجمع بين العقل والوحي، والترابط بين الديني والسياسي). ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما ليست مباشرة، بل هي علاقة تأويلية إذ أنه لم يقدم نظرية سياسية في الحكم والدولة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير