د . منذر الحوارات يكتب : سورية على مفترق التحول الكبير: بين صراع الاستحقاقات وضبط الإيقاعات الدولية
ورغم أن الخطوة الأولى كانت تركية، بزيارة وزير الخارجية التركي لدمشق واعترافه المبكر بالقيادة الجديدة، إلا أنه سرعان ما بدأ العرب بخطوات انفتاحية دشنها وزير الخارجية الأردني بزيارة لدمشق، في خطوة شكلت بداية الطريق لتقاطر متسارع من قبل العديد من المسؤولين العرب والأجانب، ما يشير إلى ان العرب تعلموا من درس العراق جيداً، ويعتبر لقاء الشرع ومساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، واحد من أهم اللقاءات فقد كان نقطة انطلاق للبدء في لعبة الشروط مقابل استحقاق الاعتراف الدولي.
فيما بعد، ألقت السعودية بكل ثقلها عندما استقبلت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووفده المرافق رفيع المستوى، الذي ضم وزير الدفاع مرهف أبو قصير ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب، في خطوة تؤكد استعداد المملكة لتقديم الدعم مقابل تعاون أمني استخباراتي وسياسي يعطي المملكة مكانتها كقوة رئيسية مؤثرة في الإقليم.
وفي زيارة مثيرة للجدل مثلت الاتحاد الأوروبي، قام بها وزيرا الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي ارتدت سترة واقية من الرصاص لدى نزولها في مطار دمشق في إشارة رمزية إلى مخاوف أمنية حقيقية من هشاشة الأوضاع، وقامت بمصافحة نفسها عند لقاء الشرع في خطوة تعكس مخاوف على حقوق المرأة، والفرنسي جان نويل، الذي صافح الشرع بأطراف أصابعه وكأنه يوجه رسالة تحذير ضمنية بأن المجتمع الدولي يراقب تصرفات القيادة الجديدة، كل تلك التحركات والإشارات الإيجابية والتحذيرية تأتي في إطار مخاوف حقيقية من انفراد طرف واحد معروف بتشدده، رغم أن سلوكهما يعكس التعالي وسوء الفهم الأوروبي المستعصي، إلا أن الزيارة مهمة ويمكن أن تؤدي إلى نتائج كبيرة.
من الواضح أن المجتمع الدولي والإقليمي يحاول استثمار الوضع الهش في سورية، وضعف إمكانيات القيادة الجديدة، سواء المالية، بعد أن أفرغ الأسد خزائن الدولة قبل مغادرته، أو الأمنية، بعد أن دمرت إسرائيل كل المخزون الاستراتيجي من الأسلحة والدفاعات السورية، وجعلت البلد في حالة من الانكشاف الاستخباراتي والعسكري بطريقة غير مسبوقة، وهي التي باتت تعد استمرار الفوضى مكسباً استراتيجياً، وبنفس المنطق يستخدم الغرب والولايات المتحدة سلاح العقوبات، الذي لن يُرفع تحت أي ظرف ما لم تقدم القيادة السورية تنازلات حقيقية في المجالات المطلوبة إقليمياً ودولياً، والتي تبدأ بالانفتاح على جميع المكونات السورية والذهاب إلى حوار وطني تشترك فيه جميع القوى والأطراف وكتابة دستور يضمن حقوق جميع الأقليات، بالذات المسيحية والكردية، والاستعداد للانفتاح على إسرائيل، وغير ذلك من الشروط، مثل عدم الانخراط مرة أخرى في التبعية لطرف إقليمي على حساب مصالح الأطراف الإقليمية الأخرى، وهذا المطلب عربي بامتياز، ودون ذلك، يبدو أن العقوبات لن تُرفع، والمساعدات لن تتدفق، وهذا ما يجعل الشرع وقيادته يراوح بين مطرقة الخارج وسندان الداخل، الذي يرفض تسليم سلاحه والانخراط في جيش موحد قبل الحصول على ضمانات سياسية تؤكد عدم انفراد الهيئة بالحكم.
في خضم ذلك، تحاول القيادة الجديدة المسارعة في عقد مؤتمر يضم مختلف الأطراف، لكن بأسمائهم وليس تنظيماتهم، وتلك معضلة كبيرة تواجه الهيئة وتثير المخاوف بأن الهيئة بهذا الأسلوب تضعف المكونات السياسية السورية والتي قاتلت على مدى أكثر من عقد نظام الأسد وترى ان من حقها ان تكون شريكة في صناعة مستقبل سورية، وانطلاقاً من هذه المخاوف بدأت اغلب الأطراف تطالب بحكومة موسعة تشمل جميع القوى، ويبدو أن هذا المطلب أصبح عربياً ودولياً أيضاً ولا يمكن التنصل منه لضمان نزاهة تدفق المساعدات والاعترافات الدولية، طبعاً تبقى كتابة الدستور وتشكيل مجلس عسكري من كافة القوى قبل ذلك مطلباً سورية ودولياً.
في ضوء ما سبق، من الواضح أن المشهد السوري يعكس صراعاً معقداً بين إرادة داخلية للتحرر من إرث الاستبداد وضغوط دولية تهدف إلى تحقيق أجندتها، وهو ما يطرح السؤال الأهم: هل ستتمكن سورية الجديدة من تجاوز ألغام المرحلة الانتقالية وتشكيل نظام سياسي يعكس تطلعات شعبها ويحقق استقراراً دائماً؟
أم أن صراعات النفوذ ستقود البلاد إلى دورة جديدة من الفوضى والتطرف؟ لا شك أن الإجابة متعلقة بقدرة القيادة الجديدة على تحقيق توازن دقيق بين استحقاقات الداخل وتحديات الخارج وكذلك الجدية في تخليها عن ارثها الجهادي السابق بما يضمن بناء دولة ديمقراطية تستوعب جميع أبنائها وتقطع الطريق على أي محاولات لاحتكار السلطة أو العودة إلى دوامة العنف.