المخرج محمد الجبور يكتب : كيف يكون العمل السياسي ؟
نبأ الأردن -
قبل الشروع بتحديد العمل السياسي يجدر القول إن المجتمع الحالي في كل البلدان يعاني، وإن بنسب متفاوتة، من عدم التمكّن من صنع مؤسسات لحلّ المشاكل بشكل أوسع، وليس هناك مؤسسات رقابة على تطبيق العمل السياسي للتأكّد من المصداقية في هذا المجال، بالتالي لا يوجد تحديد واضح لهذا العمل يمكّن من الإحاطة به داخل السلطة وخارجها، أو على الأقل ليعرّف ممتهن السياسة على تفاصيل وحدود مهنته. إلى ذلك أصبح الناس يتفاعلون مع الأحداث بطرق أكثر تعقيداً من السابق، ما يدفعهم إلى احترام المبادىء التي تقوم عليها السياسة دون سابق تصميم، خصوصاً في الأنظمة الديمقراطية، ما يدعو إلى التساؤل. ما هي النتائج السياسية المطلوبة للتعاطي مع المشاعر الإنسانية كالغضب والملل واليأس وضغوط العمل والبطالة والطبابة والنزوح من القرى والضغط على المدن والمتطلّبات الاجتماعية وغيرها. إن هذه المشاكل تتغلب على منطق العلم والعقل نظراً لتنوّعها، لذا فإن استنباط الحلول يستوجب الجهود المضنية التي بدورها تتطلّب القدرة والوقت اللازمين.
ويهتمّ العمل السياسي بكل هذه الأمور مع التخطيط الدائم لتلافي مشاكل الحياة اليومية المتفاقمة باضطراد، والعمل على نزع فتيل الحروب. من هنا فالعمل السياسي هو لولب الحياة الإجتماعية وركن السلام العالمي نظراً لأهميته القصوى في شتى ميادين الحياة، لأن السياسة کليست فرضية تحدّد بواسطة تحليل، بل هي مسألة متشعّبة وواسعة النطاق، حيث تبدو متناقضة في بعض تفاصيلها، وتُعطي عدّة معانٍ للقضايا نفسها.
إذا حددنا هدف السياسة بأنه ضمان استمرار المجتمع البشري باستعمال الحنكة والدراية، فالعمل السياسي في أمسّ الحاجة إلى الذكاء. يبقى أن الذين يتولّون زمام الأمور، ليسوا دائماً على مستوى المسؤولية، ما يشكّل معضلة جديدة تواجه تطبيق المبادىء السياسية، وتُنتج التخبّط بين الأمل وقلّة الثقة في من يعمل على تحقيق الأهداف السياسية. لذا يصبح الغموض القاسم المشترك بين علم السياسة والممارسة السياسية على حدّ سواء.
إنَّ قيام كل فرد بنسج علاقات مع الآخرين، يستوجب إتقانه سياسة معيّنة ليتمّ ذلك بنجاح، وهذا ما يسمى العمل السياسي الفردي. أمّا قيام الحاكم بتدبير أمور رعيته على أحسن وجه، مع الحفاظ على مركزه، فيدعى عملاً سياسيا، وإذا تّم ذلك بنجاح يكون العمل السياسي صحيحا، وإن لم يوفّق يعتبر عمله السياسي منقوصا ويشوبه الكثير من العيوب في تنفيذ السياسة المرسومة. للعمل السياسي إذاً أطر ومفاهيم ومبادىء لا يمكنه الخروج عنها، أما في الواقع فنادراً ما نجد من يتقيّد بها.
فعندما تقوم المؤسسات بتحقيق الأهداف السياسية وبلورتها في الممارسات الحكومية، تعمد إلى تنظيم الحياة الاجتماعية بوسائل سياسية. وخلال قيامها بعملية التنظيم، تؤثر على نوعية وخصائص الأهداف السياسية. وهكذا يصبح الحكم التمثيلي مؤسسة ضرورية لتطبيق المبادىء السياسية المرسومة في أيّ مجتمع أو دولة. لكن المؤسسة لا تقوم من تلقاء نفسها، فهي تتألف من أُناس يتصرّفون بوحي من تفسيراتهم الفردية لصلاحية الهيئات الحاكمة. علاوة على ذلك، قلّما يحصر الأفراد تصرّفهم السياسي ضمن الأُطر المحددة بالمؤسسات والفلسفات والمبادىء العامة.
إنّ العمل السياسي الناجح يعتمد أرقى درجات المعرفة وأدقّها، دون الحاجة بالضرورة إلى دراسة علم السياسة، وربما يكون ذلك بالفطرة أو نتيجة مجهود فكري منظّم .كما كان يحصل في المجتمعات البدائية.، ولكنّ ذلك لا يكفي للقول بأنّهم أتقنوا فنّ السياسة، لكنّهم استطاعوا تأمين التعاطي الآمن في ما بينهم.
يتطلّب العمل السياسي القيام بدراسة الحوادث والظواهر دراسة موضوعية حيادية تبتعد كل البعد عن التحيّز والتعصّب والأفكار الشخصية والذاتية. وما يحصل في الواقع هو الإعتماد على الدراسة الشمولية والكلّية للظواهر المنوي الإهتمام بها. أما عملياً، فإن غالبية العاملين في الحقل السياسي لا يعيرون شأناً لهذه الموضوعية والشمولية والحيادية، ما يشكّل معضلة أمام اعتماد السياسة الحقيقية في تصرّفات طبقة الـ "سياسيين" في معظم دول العالم. لذلك لا تزال البشرية رازحة تحت نير المظالم والحروب والعبودية بشكلٍ أو بآخر.
وبكلمة نهائية، فالعمل السياسي هو كلّ ما من شأنه السعي لتطبيق المبادىء التي تدور في فلكها السياسة، ومنها على سبيل المثال. حلّ المشاكل بالطرق السلمية، حسن الدراية في القيادة أو التنفيذ، إتقان الفضائل الخيّرة، الصدق في المعاملة والتنسيق الدائم مع المعنيين، المحافظة على العلاقات الجيّدة بين الناس وبين الدول،إبعاد منطق التحدّي وتجنّب الأسباب المؤدية إلى الأزمات والحروب، نشر الوئام بين ربوع الوطن وفي العالم، العمل على الإستفادة من الذكاء الفردي والجماعي، التخطيط لمستقبل أفضل، العمل على التغيير الدائم، وغير ذلك.