د. شوقي أبوقوطة يكتب: الهوية والانتماء لدى الشباب في عالم معولم
نبأ الأردن -
في عالم يتّسم بتسارع العولمة وانتشار التّكنولوجيا، تواجه الهويّة الثّقافية والدّينية لدى الشّباب تحدّيات غير مسبوقة، فالعولمة الّتي أزالت الحدود الجغرافية وأدّت إلى تبادل واسع للأفكار والقيم، فتحت الأبواب أمام الفرص لكنّها في الوقت ذاته وضعت الشّباب في مواجهة أسئلة وُجودية حول هويّتهم وانتمائهم.
الشّباب اليوم يعيشون في بيئة تجمع بين ثقافات متعدّدة، ممّا قد يؤدّي إلى تصادم بين القيم التّقليدية الّتي نشؤوا عليها وبين القيم العالمية التي يتعرّضون لها عبر الإعلام ووسائل التّواصل الاجتماعي. هذا التصادم قد يخلق شعورًا بالضّياع لدى البعض، حيث يجدون أنفسهم مُمَزّقين بين الرّغبة في مواكبة العصر، وبين الحاجة الماسّة للحفاظ على هويّتهم الثّقافية والوطنيّة.
على سبيل المثال، قد يشعر شاب ينتمي إلى مجتمعٍ محافظ بضغوط للتّكيّفِ مع القيم اللّيبرالية السّائدة عالميًا، مثل الحرية الشّخصية أو الاستقلالية المُطْلَقة، ما قد يؤدّي إلى تناقض داخلي بين ما يؤمن به وما يشعر أنه مُتوقَّع منه.
ويُمثّل الدّين جُزءًا مِحْوَريًا من هويّة العديد من الشّباب، لكن في ظلّ العولمة، أصبح الشّباب عُرضَةً لتفسيرات مُتباينة للدّين، بعضها قد يكون مُتطرّفًا أو بعيدًا عن جوهر العقيدة الحقيقيّ، وهذا قد يُؤدّي إلى حالة من الإرتباك، حيث يحاول الشّباب التّوفيق بين الالتزام الدّيني والانفتاح على العالم.
علاوةً على ذلك، تتعرّض القيم الدّينية لتحدّيات من قبل موجة من الفكر الماديِّ والاستهلاكيّ، حيث يُنظَر أحيانًا إلى الدّين كشيءٍ قديمٍ لا يتماشى مع مُتطلّبات العصر الحديث، في المقابل هناك شباب يستغلّون العولمة لتعزيز فهمهم الدّيني، من خلال الوصول إلى مصادر مُتنوّعة تعكس تنوّع الفكر والاختلافات الثّقافية.
كيف يتعامل الشّباب مع هذه التّحدّيات ؟
*إعادة تعريف الهوية*
يلجأ بعض الشباب إلى إعادة تعريف هويتهم بطريقة تجمع بين عناصر تقليدية وحديثة، فهم ينتقون من ثقافاتهم الأصلية ما يعبر عنهم، وفي ذات الوقت يتبنّون قيمًا عالميةً تتوافق مع طموحاتهم ورؤيتهم للحياة.
*الانخراط في الحوار الثقافيّ والدّينيّ*
أصبحت العولمة فرصة للشباب للتّواصل مع أقرانهم من خلفيات مختلفة، هذه الحوارات قد تساعدهم في فهمٍ أعمق لثقافاتهم وأديانهم، وكذلك في بناء جسور تفاهم مع الآخر.
*استخدام التّكنولوجيا لتعزيز الهويّة*
بدلاً من أن تكون التّكنولوجيا أداة تُهدّد الهويّة، يستخدمها كثير من الشّباب لتوثيق تراثهم الثقافيّ ونشره، سواءً من خلال المحتوى الإبداعي أو النّقاشات المفتوحة.
*تعزيز التّعليم الثقافيّ والدّينيّ*
يلعب التّعليم دورًا كبيرًا في تمكين الشّباب من مواجهة تحدّيات العَولمة، فمن خلال المناهج التي تركّز على تعزيز الفهم العميق للثّقافة والدّين، يمكن للشّباب بناء ثقة أكبر في هويّتهم.
في ظلّ عالمٍ معولم، يواجه الشّباب تحدّيات مُعقّدة تتعلّق بالهويّة والانتماء، وهذه التّحدّيات، إذا ما تمّ التّعامل معها بوعيٍ وانفتاح، يُمكن أن تتحوّل إلى فُرص لتعزيز الهويّة الثّقافية والدّينية، وجعلها أكثر مرونة وقُدرة على التّكيف، فالهويّة ليست ثابتة، بلْ هي عملية تطوّر مُستمرّة، تَنْبع من قُدرة الشّباب على المزج بين التّراث الأصيل والقيم العالميّة التي تدفعهم نحو مُستقبلٍ مُشرقٍ.